الأحد، 21 يوليو 2013

موضوعية الإرادة ‏

    العراق/ جامعة الموصل
كلية القانون /فرع القانون الخاص



موضوعية الإرادة

(دراسة تحليلية مقارنة في ضوء ادارة المخاطر والتشريعات القانونية )









                          بحث مقدم من قبل كل من :

أ‌.      بسام مجيد سليمان                      د. اكرم محمود حسين
مدرس مساعد                                  استاذ مساعد
كلية القانون                                    كلية القانون
جامعة الموصل                                 جامعة الموصل 



                                                        
المقد مــــــة

في البدء نحمد لله سبحانه وتعالى ونشكره أن أتم فضله ونعمته علينا ووفقنا في إنجاز هذا العمل، داعين إياه أن يجعله في ميزان حسناتنا وبعد ...
إن أساس التعاقد هو حرية إرادة المتعاقدين، والعقد شريعة المتعاقدين، إذ لهما حق المناقشة والجدل فيما يتفقان عليه. ومتى تم الاتفاق أصبح العقد حجة على الطرفين، وعلى ذلك فحرية التعاقد هي التي تملي على الطرفين قانون العقد. ولكن قد يقف في سبيل حرية التعاقد حوائل وموانع قد ترجع للمنفعة العامة والنظام العام، بما يقرره المشرع فيهما من الأحكام الآمرة.
وإذا كانت حرية التعاقد هي قوام العقود، وهي التي تقرر قواعد العقد وأصوله وأحكامه، إلا أن هنالك اعتبارات من شأنها أن تقيد هذه الحرية، وتجعل أحد العاقدين غير متمتع بها تمام التمتع.
ومع إقرارنا بمسألة التدخل المتزايد للمشرع ، فان هذا التدخل ما هو الاتماشيا مع الفكرة التعاقدية التي تقوم على أساس قيام العقد المتوازن بين المتعاقدين ، ولا يعني ذلك تدهور أو انتكاس الإرادة التعاقدية ، بل موضوعية هذه الإرادة ، والتي لا يقتصر ضرورة وجودها في إبرام العقد ، بل تمتد الى ما بعد الانعقاد وصولا الى انتهاء العقد ، وكل ذلك سيعمل على تحقيق العدالة القانونية ، وتحقيق التوازن بين الإطلاق لمبدأ سلطان الإرادة ، والعقد شريعة المتعاقدين ، وبين التوجه نحو التقييدات التي يفرضها المشرع ، مما يدل على أن الإرادة التعاقدية لم تعد مطلقة وإنما يجب القول بموضوعية الإرادة . وفقا لمقتضيات الحاجة الاجتماعية في إعطاء المشرع الدور الكبير والبارز في الإشراف على التعاقد ،تكون الغاية الرئيسية منه ، هو تحقيق العدل والموازنة بين المصالح المختلفة للأفراد .    
وأمام هذه الحقائق ارتأينا توضيح ومناقشة وتحليل الحدود التي يسمح بها القانون للأفراد في استخدام الإرادة الحرة في التعاقد.بصورة عامة ، والتي قد يدخل في ضمنها ما يعرف بإدارة المخاطر ووفقا للخطة التالية:

المبحث الأول: التعريف بموضوعية الإرادة التعاقدية
المبحث الثاني: القيود المفروضة على الإرادة التعاقدية في إبرام العقد.
المبحث الثالث: القيود المفروضة على الإرادة التعاقدية في تحديد                  مضمون العقد.



المبحث الأول
      
                  التعريف بموضوعية الإرادة التعاقدية.

تشتمل حرية التعاقد على جملة حريات، وهي حرية الفرد في التعاقد أو في امتناعه عن التعاقد، وفي اختيار المتعاقد معه، وفي تحديد مضمون العقد، فاستناداً لمبدأ سلطان الإرادة، للفرد حرية التعاقد أو عدم التعاقد مع حرية تحديد مضمون العقد.
وقد لعبت الإرادة دوراً بارزاً، ولمدة طويلة في تكوين العقد وتحديد مضمونه، فكان للمتعاقدين أن ينظما علاقاتهما التعاقدية وتحديد حقوقهما والتزاماتهما في حدود النظام العام والآداب. ولكن هذه الحرية في التعاقد تغيرت كثيراً بحيث أصبحت محدودة ومقيدة بنصوص قانونية آمرة.
 ولذلك ومن أجل توضيح هذه التقييدات والوصول إلى تعريف المقصود من موضوعية الإرادة التعاقدية، يتوجب علينا أولاً إعطاء نظرة عامة في سلطان الإرادة التعاقدية، وذلك من أجل محاولة الوصول إلى تعريف موضوعية الإرادة التعاقدية. وبهذا سيقسم هذا المبحث إلى المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: ((نظرة عامة في سلطان الإرادة التعاقدية))
المطلب الثاني: ((تعريف موضوعية الإرادة التعاقدية))













المطلب الاول

نظرة عامة في سلطان الإرادة التعاقدية

إذا كان العقد يبنى أساسً على الإرادة وما تتمتع به من سلطان، فإن ذلك يعد ترجمة لمبدأ سلطان الإرادة. هذا المبدأ الذي يعني أن الإرادة هي صاحبة السلطان الأكبر في إنشاء العقود وفي تحديد آثارها[1].
فللإرادة الحق في إنشاء ما تشاء من العقود غير متقيدة في ذلك بأنواع العقود التي نظمها المشرع في القانون المدني (والتي يطلق عليها العقود المسماة). كما يكون للإرادة الحرية في تحديد آثار العقد، فلا تتقيد بالآثار التي يرتبها المشرع على عقد من العقود فقط، وإنما يكون لها بما لها من سلطان، الحرية في تضييق هذه الآثار أو توسيعها أو حذفها. كما يكون للإرادة أخيراً الحرية في تعديل هذه الآثار بعد قيامها، وكذلك في إنهاء العقد بعد إبرامه[2].
فيقوم مبدأ سلطان الإرادة التعاقدية إذاً على أساسين هما ، الحرية والمساواة.
فالحرية أساس النشاط، وإذا كان مظهره الإرادة، فالحرية أساسها، وأن الإرادة الحرة لقادرة على أن تزن المصلحة القائمة، وهي مقدرة لهذه المصلحة فعلاً ما دمنا نطلق لها الحرية. وإذا تم التوفيق بين إرادتين كل منهما تقرر المصلحة القائمة، ففي هذا التوفيق تحقيق للمصلحة العامة، إذ ليست المصلحة العامة إلا مجموع المصالح الفردية.
أما الأساس الأخر وهو المساواة، فلا يقصد بها المساواة الفعلية، إذ هذه لا يمكن تحقيقها، بل يقصد بها المساواة أمام القانون، فالمساواة القانونية لا المساواة الاقتصادية هي التي تكفل في النهاية تحقيق المصلحة العامة لأن المصلحة الخاصة – وهي أساس المصلحة العامة – لن تتحقق إلا إذا اعتبر الناس متساوين أمام القانون في مظاهر نشاطهم[3].
فإذاً يترتب على الأخذ بمبدأ سلطان الإرادة التعاقدية على إطلاقه النتائج الآتية:
1.  حرية الفرد في أن يبرم ما شاء له من عقود، وحريته في ألا يبرم عقداً من العقود، فلا يجوز تقييد حريته من هذه الناحية.
2.  حرية الفرد في تحديد الالتزامات العقدية ومكانها ومداها. ففي عقد الإيجار مثلاً لإرادة الأطراف الحرية في تحديد مدة العقد وكذلك في تحديد الأجرة التي يُلزم بها المستأجر وهكذا الشأن في سائر العقود.
3.    لإرادة الفرد الحق في إنهاء العقد بالاتفاق أو في تعديله كذلك.
ونشير في هذا المجال إلى استبعادنا لتناول التطورات التاريخية في هذا البحث[4] وذلك لقلة الاستفادة من هذا الطرح في بحث قانوني يوجب على الباحث أن يواكب فيه الظروف والحاجات التي يعيشها في عصر متيقن فيه الجميع بأن لا سلطاناً كامل للإرادة إلا بالحدود التي يرسمها القانون، ووفق متطلبات الحفاظ على النظام العام.
إلا أن موضوع البحث يقتضي البت في أمر هام ألا وهو تمييز مبدأ سلطان الإرادة عن مبدأ الرضائية.
فقد قلنا أن مقتضى مبدأ سلطان الإرادة في إطار القانون المدني هو أن إرادة الإنسان تشرع بذاتها لذاتها، تنشئ بذاتها لذاتها التزامها، فإذا ما لزم شخص بتصرف قانوني (وبخاصة العقد)، فإنما يلتزم لأنه أراد، وبالقدر الذي أراد.
فإذا كان هذا هو مقتضى مبدأ سلطان الإرادة، فهل سينطبق مضمون هذا المبدأ مع مبدأ الرضائية، أم أن لكل من المبدأين استقلالهما عن بعضهما؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من إيضاح السبب الفعال الذي جعل الباحث يتساءل، فمن خلال الرجوع إلى العديد من مصادر الفقه القانوني يلاحظ الإشارة إلى المسائل الآتية:
1.  تناول موضوع مبدأ سلطان الإرادة عبر المراحل التاريخية وخاصة في القانون الروماني عن طريق إيضاح التقيد بالمراسيم الشكلية في إبرام العقد، وكذلك الحال في الفقه الإسلامي الذي يتم فيه التركيز على عدم التقيد بالإجراءات الشكلية في إبرام العقد[5].
2.  تناول موضوع مبدأ سلطان الإرادة عن طريق تقسيمه إلى قسمين: الأول ويطلقون عليه مبدأ سلطان الإرادة من حيث الشكل، والثاني ويطلقون عليه مبدأ سلطان الإرادة من حيث الموضوع. ويركزون في شرح مضمون القسم الأول على كفاية الإرادة في إنشاء التصرف وتوليد الالتزامات وذلك دون حاجة لأن تصاغ في قالب معين. فكل ما يطلب هو أن يصدر التعبير عن الإرادة، ولا عبرة بعد ذلك بالصورة التي يصدر فيها (باللفظ أو الكتابة أو الإشارة وغيرها)[6].
بمعنى أن مبدأ الرضائية سيكون جزءاً متداخلاً مع مبدأ سلطان الإرادة.
وبعد بيان هاتين النقطتين سنقوم بإيراد معنى مبدأ الرضائية. والذي يتلخص في أن العقد ينعقد بتوافق إرادتين على إنشاء التزامات، ولا يكتمل معنى المبدأ إلا إذا فسر بأن توافق الإرادتين يلزم ويكفي للانعقاد[7].
إن كفاية هذا التوافق هو الذي جعل أساس المبدأ لا يتطلب أوضاعاً خاصة لانعقاد العقد، وجعل العقد بإرادة الطرفين، فأصبحت العبرة بهذه الإرادة بقطع النظر عن طريقة التعبير عنها.
إلا أنه يجب القول بأن مبدأ الرضائية لم يبقى مطلقاً أو بمعنى أخر أن توافق الإرادات قد لا يكفي بمفرده أحياناً لتكوين العقد، وذلك بسبب تقييد المشرع لبعض أنواع التعاقدات من حيث التكوين[8].
ونتفق مع جانب من الفقه[9] في وجوب التمييز ما بين مبدأ سلطان الإرادة ومبدأ الرضائية. حيث يتعلق مبدأ سلطان الإرادة بقدرة الإرادة على اختيار التعاقد أو عدم التعاقد، لا بمجرد كفاية الإرادة كما في مبدأ الرضائية[10] "فالرضائية هي كفاية الإرادة لإنشاء التصرف"[11].
أو بتعبير أخر، يؤدي المبدأ الأول إلى إطلاق سراح الإرادة وفك قيودها، أما المبدأ الثاني فهو يؤدي إلى إظهار جوانب النشاط التي تتسع لتلك الإرادة الطليقة.
فتقدير مسألة حرية الشخص بالدخول في تعاقدات مع أشخاص آخرين أو تقييده بعدم السماح له بالدخول في هذه التعاقدات يتحدد بما للإرادة من سلطان في المجال العقدي.
أما بعد أن يقوم الشخص بالتعبير عن رغبته بالتعاقد، ففي هذه الحالة فإن مبدأ ال
أ الرضائية سيحدد مدى كفاية هذا التعبير في إبرام العقد استناداً إلى أحكام القانون في مدى اعتبار العقود هي عقوداً رضائية أم شكلية أم عينية.
وخلاصة لما سبق ذكره في مجال التمييز بين مبدأ سلطان الإرادة وبين مبدأ الرضائية، هو أن المبدأ الأول سيعتبر الأساس أو القاعدة العامة في التعاقدات، أما المبدأ الثاني وهو مبدأ الرضائية وتحديد مدى كفاية الاتفاقات أو التوافق بين الإرادتين فسيعتبر الإطار القانوني المحدد لكيفية أو كفاية انعقاد العقد فلو افترضنا بأن القانون اشترط الشكلية في إبرام عقد معين فسيعتبر هذا الاشتراط إحدى الحالات الاستثنائية[12] التي تدرج ضمن القيود المفروضة على الإرادة التعاقدية في أثناء تكوين العقد.
فمدى اشتراط الشكلية في العقود الشكلية أو وجوب التسليم (تسليم محل العقد) في العقود العينية هي عبارة عن إلزام قانوني يحدده المشرع شعوراً منه بأن ذلك هو من متطلبات التعاقد[13].
واستزادة للتوضيح سنستعير التعبير المجازي في وصف مبدأي سلطان الإرادة والرضائية.
حيث يمكن تشبيه المبدئيين وكأنهما مصفاتان للتنقية المتطلبة قانوناً. فعندما يرغب أحد الأشخاص بالتعاقد في عقد ما. يتوجب عليه مراعاة القيود التي يفرضها مبدأ سلطان الإرادة. فإذا كان العقد لا يخالف النظام العام والآداب فسيعبر قد اجتاز مصفاة التنقية الأولى. وبعد ذلك عليه مراعاة القيود التي قد يفرضها القانون على المتعاقد من شكلية ما أو تسليم محل العقد، فإذا لم يشترط القانون قيداً معين وإنما اكتفى باعتبار أن العقد رضائي فسيكون المتعاقد وكأنه قد اجتاز مصفاة التنقية الثانية. ومن ثم يكون قرار الدخول في العملية التعاقدية مسألة شخصية يقدرها المتعاقد في إطار الحرية الكاملة له.
ومن العقود الأخرى التي يلزم فيها المشرع طرفي العقد أو أحداهما بتحديد متطلبات التعاقد هو "العقد المأذون"[14].
ففي العقد المأذون يترك المشرع للسلطات المختصة مهمة إجازة العقد أو منعه، ولا يكون للعقد أي قيمة قانونية إلا بعد الحصول على أذن هذه الجهات التي يعينها المشرع مسبقاً. حينئذٍ لا ينشأ العقد من إرادة أطرافه فحسب، بل من انضمام إراداتهم إلى رخصة المشرع.
أي أن ما يكّون العقد على حد تعبير سافاتيه، هو إرادة الأطراف ممزوجة برخصة المشرع، وبعبارة أخرى، أن المشرع يوشك أن يدخل في العقد كمتعاقد ثالث[15]. فتستطيع السلطة المختصة، عن طريق تخويلها منح الأذن، أن تمنع إنشاء العقد، أو على الأقل تؤجل إبرامه إلى وقت أخر.
وهناك بعض الأمثلة التشريعية في العراق والتي تشترط استحصال الأذن المسبق. من ذلك ما نصت عله المادة الثانية من قانون تأمين السكن للمواطنين رقم (125) لسنة 1963 الملغي الصادر في 15/9/1963 التي جاء فيها "لا يجوز بيع أو رهن أو هبة أو فرز أو إجراء أي تصرفات أخرى على القطعة – التي وزعت وفق أحكام هذا القانون – ترتب عليها حقوق عينية أو تؤدي إلى خروج التصرف فيها ممن ملكت له خلال عشر سنوات من تاريخ صدور سند الطابو، إلا إذا كانت هناك أسباب اضطرارية تدفع المنتفع إلى هذا التصرف فيجوز له ذلك (بموافقة وزير المالية)".وقرار رقم (117) لسنة 2000 الخاص بالقيد التشريعي على حرية التصرف بالعقارات المملكة من قبل الدولة .
وقد اعتبر القضاء العراقي البيع الذي يتم دون موافقة وزير المالية باطلاً، حيث يعتبر المحل غير قابل للتعامل فيه، ما لم يقترن بموافقة الجهة التي حددها القانون المذكور[16].
وهذا يعني أن الأفراد لا يستطيعون بإرادتهم المنفردة ودون رخصة إبرام عقد من هذا النوع.








المطلب الثاني

تعريف موضوعية الإرادة التعاقدية

يعد مبدأ سلطان الإرادة من نتائج المذهب الفردي[17] الذي يقدس الحرية الفردية، والذي يعتبر الفرد هو محور المجتمع. فالهدف من تنظيم المجتمع، في نظر هذا المذهب هو حماية الفرد وتحقيق مصلحته الخاصة. فطالما كان الإنسان حراً فأن إرادته يجب أن تكون كذلك. وهذه الإرادة الحرة هي التي تملك إنشاء العقد وهي التي تملك أيضاً تحديد آثاره بمنأى عن أي قيد يرد في القانون"[18].
ومن القوانين المدنية التي تأثرت إلى حد كبير بالمبدأ المذكور، القانون الفرنسي (تقنين نابليون الصادر عام 1804) فالمادة (1134) منه قد جاءت عنواناً لمبدأ سلطان الإرادة في إنشاء التصرفات القانونية، حيث نصت على "أن الاتفاق إذا تم شرعاً فإنه يقوم مقام القانون لمن تعاقد".
كما ذهب إلى هذا الاتجاه القانون المدني المصري لعام 1948م، إذ نصت المادة (147) فقرة (1) منه على ما يلي "1-العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون".
ولم يشذ القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 عن القوانين سالفة الذكر في التأثر بمبدأ سلطان الإرادة وما لها من دور في تكوين أو إنهاء أو تعديل التصرفات القانونية، فاعتبر العقد شريعة المتعاقدين وقد نصت المادة (146) فقرة (1) على ذلك بأنه "1-إذ نفذ العقد كان لازماً، ولا يجوز لأحد العاقدين الرجوع عنه ولا تعديله إلا بمقتضى نص في القانون أو بالتراضي".
والواقع أن ما قررته التشريعات المدنية (مصري، عراقي) من إبراز لقوة الرابطة العقدية وإلزامها بفعل الإرادة يعود لنص المادة (1134) من القانون المدني الفرنسي، لأن تلك القوانين قد تأثرت بصورة مباشرة بما وضعه المشرع الفرنسي في تلك المادة.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن القوانين المدنية المقارنة في موادها المشار إليها سالفاً، لم تكن الغاية منها الأخذ بمفهوم المذهب الفردي على إطلاقه، بل حاولت تلك القوانين مسايرة الاتجاهات المعاصرة لمبدأ سلطان الإرادة.
فقد أصبحت الاتجاهات المعاصرة تسير نحو تقييد دور الإرادة في نطاق العقد[19]، ذلك أن حرية الإرادة ترتبط بالفلسفة الفردية، ولما كانت الأفكار السائدة في المجتمعات الحديثة هي الأفكار الاجتماعية، فقد أدى ذلك إلى ازدياد القيود على سلطان الإرادة، "فالأفكار الاجتماعية تنادي بضرورة تدخل الدولة عن طريق أحكام القانون لتنظيم علاقات الأفراد في معاملاتهم الخاصة، تنظيماً إجبارياً لا يترك لإرادتهم كثيراً من الحرية في تنظيم تلك المعاملات"[20].
فقد تغيرت الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي نشأ في رحابها مبدأ سلطان الإرادة، وسارت تشريعات الدول نحو الاشتراكية التي ترى الاعتداد بمصالح الجماعة قبل مصلحة الفرد، فظهر أنصار المذهب الاجتماعي[21].
فالاعتداد بمصلحة الجماعة يقتضي منع تسلط الطرف القوي في التعاقد على الطرف الضعيف، بل ينبغي تقييد إرادة الأول لمصلحة الأخير. فالعامل وصاحب العمل كلاهما يملك الإرادة الحرة في التعاقد (وكذلك المؤجر والمستأجر) إلا أنهما ليسا على قدم المساواة، فإحداهما طرف قوي يملك إملاء شروطه على الطرف الأخر الضعيف، ولذلك يجب تقييد إرادة صاحب العمل (والمؤجر) لمصلحة العامل (والمستأجر).
وكذلك الحال بالنسبة للعقود التي تبرم بين جمهور المستهلكين وبين الشركات الاحتكارية، فأين المساواة في الإرادة الحرة بين شركة كبيرة ومستهلك ضعيف؟ إن هذه هي مساواة نظرية فحسب، فهل نجد مشتركاً (مستهلكاً) يستطيع مناقشة الشروط التي يضعها مرفق المياه أو الكهرباء؟ الواقع أن تحقيق العدل الاجتماعي يقتضي تقييد إرادة هذا المحتكر لمصلحة المستهلك.
ومن الناحية الاجتماعية لم يعد يسمح للأفراد بالاتفاق أو بالتعاقد على أشياء قد تخالف النظام العام والآداب أو مقتضيات الخطة الاقتصادية أو الاتجاه العام للمجتمع، فالصالح العام يعلو المصلحة الفردية[22].
فحرية التعاقد قد لم تعد مبدأً مطلقاً، فقد يأتي القانون ويجبر الفرد على إبرام تعاقد معين أو يحرمه من تعاقد يريده[23].
وكذلك لم تعد الإرادة حرة في تحديد مضمون الالتزامات العقدية، فقد أصبح الآن تدخل المشرع في تحديد هذا المضمون أمراً عادياً.
كما لم تعد إرادة الأفراد حرة في إنهاء العقد بالاتفاق أو في تعديله، لذلك فقد يتدخل القانون ويضع تنظيماً معيناً لعقد من العقود، بحيث لا يجوز لإرادة الأفراد الخروج على هذا التنظيم بالتعديل، "فالصالح العام يخول الدولة أن تتدخل لإقامة مساواة حقيقية بين المتعاقدين، لمنع تحكم فريق بالاستناد إلى قوة اقتصادية جبارة أو الاستفادة من ظروف العرض والطلب المواتية ..... وتطبيقاً لهذا المذهب صدرت في مختلف الدول قوانين تجبر الملاك على التأجير بأجر معين، وتقرر تجديد عقود الإيجار بعد فوات مدتها جبراً على المؤجرين، وتحدد شروط عقد العمل، وتخضع كثيراً من السلع للتسعير الجبري. مما يؤكد منطق المذهب الاجتماعي في تغليب صالح الجماعة"[24].
وهذه التطورات تؤكد أن إبرام العقد لم يعد مجرد عمل خاص، فقد يخضع للقانون أو يكون من إملائه أو من ضغط الظروف والعوامل الاقتصادية، وقد تجبر المحاكم على إتباع تفسير خاص، أو مستمد من قواعد تفسير القوانين[25]. فقد انتهى تطور المجتمع إلى أن جعل وضع العقد في ذاته يتغير إلى حد أن قيل أن العقد الحر في طريقه إلى أن يصبح عقداً موجهاً[26].
وإزاء تدخل المشرع في العقود بنصوص آمرة، وظهور ما يسمى بالعقد الموجه، فذهب جانب من الفقه[27] بالقول إلى اختفاء الصفة الإرادية للعقد، وتحوله إلى مجرد (نظام شرطي)، خاضعاً تماماً في إبرام وترتيب آثاره للشروط التي يتحكم فيها القانون. لذلك يرى بعض الفقهاء[28] أن نظام العقد الحر لم يعد هو السائد اليوم، فقد وجد نظام العقد المقيد، ثم نظام العقد المنظم، فنظام عقد الإذعان.
ومع إقرارنا بمسألة التدخل المتزايد للمشرع في تنظيم التعاقدات، فإننا نتفق مع جانب من الفقه[29]. بأن هذا التدخل ما هو إلا تماشياً مع نفس أساس الالتزام العقدي ومع الفكرة التعاقدية الصحيحة التي تقوم على أساس قيام العقد المتوازن بين المتعاقدين، بعيداً عن غبن أو استغلال أحد الأطراف للأخر. ولا يعني ذلك تدهور العقد واضمحلال أهميته، بل سيبقى أسلوبا ضرورياً للتبادل بين ذميتين[30].
ويمكننا أن نعزو ما ينتج عن هذه القيود من تزايد سلطان القانون وضعف سلطان الإرادة إلى علاقة التدرج التي يجب أن تقوم بين قواعد النظام القانوني فالتشريع باعتباره قانوناً موضوعياً يعلو العقد بحسبانه مصدراً للحقوق الشخصية، ولهذا فالعقد يتقيد بالتشريع الذي يتقدمه في سلم التدرج.
فوصف العقد حقيقة لن يكون إلا بالخضوع لمقتضيات النظام العام، وخضوع الإرادة وقدرتها على خلق الالتزام لهذه المقتضيات، لأن الواقع العملي والمنطقي يقضي أن تكون الغلبة في تكوين العقد للنظام العام، لأجل ترتيب أثار الالتزام، نظراً لمساسها لحقوق الغير وتأثيرها على نظام المبادلات وتبادل الثروات المادية[31].
لذلك فقد ابتدأ ظهور العقد الموضوعي، الذي هو ليس خلق جديد من قبل الأفراد، بل هو العقد منذ القدم، ولكنه أخذ يخضع لمقتضيات النظام العام، وأن "دور الإرادة الذي أصبح مشكوكاً فيه في كثير من العقود، قد جعل جانب من الفقه يقول بتسمية مبدأ موضوعية الإرادة بدلاً من سلطان الإرادة، ويحافظ بذلك على الأساس الإرادي في إنشاء الالتزام مع إعطاء هذا الأساس الإرادي مفهوماً نسبياً يخضعه للتنظيم الموضوعي للقانون"[32].
والخلاصة، هي أن الفقه المعاصر والقوانين المدنية المعاصرة تقر بمبدأ سلطان الإرادة في إنشاء التصرفات القانونية، ولكن في حدودها المعقولة، تتوازن فيها الإرادة مع العدالة والصالح العام. وهذا ما يقصد به بموضوعية الإرادة التعاقدية.
لذلك يمكن تعريف "موضوعية الإرادة التعاقدية" بأنها (إمكانية الإرادة في الدخول أو عدم الدخول في العملية التعاقدية وفي تحديد مضمون العقد، وفقاً للحدود التي يرسمها القانون، بالاستناد إلى المصلحة العامة والنظام العام والسياسة الاقتصادية العليا للدولة، وباستخدام معيار العدالة).




















المبحث الثاني

القيود المفروضة على الإرادة التعاقدية في إبرام العقد.

إذا كان الأصل هو حرية التعاقد، إلا انه في المجال الواقعي قد اتسعت دائرة النصوص الآمرة، مما أدى إلى أن تنحصر تلك الحرية في حدود ضيقة[33]. إذ أن هذه النصوص الآمرة والتي لا يجوز الاتفاق على مخالفتها تحمي النظام العام والآداب في المجتمع، ومن ثم فهي تخرج عن الدائرة التي تنطلق فيها حرية الإرادة.
فليس للإرادة أن تنشئ تصرفاً يخالف سببه أو محله النظام العام والآداب[34]، فإذا تجاوز المتعاقدان هذه الحدود التي رسمها النظام العام والآداب يكونا قد عرضا عقدهما للبطلان، حسب أحكام المادة (130) فقرة (1) من القانون المدني العراقي، التي نصت على أنه "يلزم أن يكون محل الالتزام غير ممنوع قانوناً ولا مخالفاً للنظام العام والآداب، وإلا كان العقد باطلاً"[35].
فإذاً هنالك عوامل مختلفة تؤدي إلى قيام الدولة (المشرع) بفرض قيود على الإرادة التعاقدية، وإن هذه القيود، إما ستمنع الأفراد من الدخول بالعملية التعاقدية كمثال ذلك، عندما تمنع الدول استيراد سلع معينة، فتحرم بذلك أي تصرف قانوني عليها. أو أن تتدخل الدولة في تحديد مضمون العقد قبل إبرام العقد، كمثال ذلك عندما تحدد الحكومة أسعاراً رسمية لبعض السلع، بحيث تحد من حرية الثمن في عقود البيع، وهو يحدث أيضاً في حالة الاستيلاء، حينما تستولي الدولة على كمية من القمح أو الأرز مقابل سعر محدد سلفاً.
بمعنى أن سياسة الدولة في توجيه الاقتصاد الوطني ستنعكس آثاره على العقود[36]، فضلاً عن ذلك، سيتدخل المشرع في حالة الضرورة إلى مراعاة العدالة وتحقيق المساواة القانونية.
وأمام كل هذه الأمور قد لا تقتصر هذه القيود على منع التعاقد أو تحديد مضمونه، بل قد تصل إلى حد تدخل القانون لإنشاء علاقات قانونية لم تكن لتنشأ إلا بتوافق إرادتي طرفيها[37]، فحرية الإنسان في ألا يتعاقد ليست بدورها مطلقة بل ترد عليها قيود[38].
وتجدر الإشارة إلى أن العقود التي تبرم بناءاً على الالتزام القانوني "يسميها بعض الشراح بالعقود الإلزامية أو العقود الاضطرارية"[39].
وتسمية "العقود الإلزامية" هي التسمية التي نعتقد بأنها تتلاءم مع طبيعة تكوينها عند الإبرام. ففي هذه العقود لا يلعب الرضا دوراً كبيراً في مناقشة شروط العقد عند إبرام العقد، وإنما يطبق طرفي العقد نظاماً رسمي مفروضاً عليهما بمقتضى القانون[40].
حيث يلاحظ بأن المشرع يجبر أحد الطرفين باتخاذ خطوات معينة، والقيام بإجراءات محددة بغية إبرام عقد يريده المشرع – وهذا ما سيتوضح لنا لدى تناولنا التطبيقات التشريعية في هذا المبحث – أي أن المشرع يجبر أحد الطرفين بالقيام بأعمال إيجابية لدفع إجراءات التعاقد إلى الأمام لظهور عقد جديد إلى الوجود. هذا العقد هو ما يستهدفه المشرع في الظاهر، ولكن الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية هي التي تقف وراء ما استهدفه المشرع من إبرام العقود المذكورة.
ويرى بعض الفقهاء[41] أن هذا الإلزام القانوني بالتعاقد يعد قيداً خطيراً على حرية التعاقد وعلى حرية التجارة، وهو يبرز خاصية الوظيفة الاجتماعية التي يقوم بها قطاع التوزيع في الاقتصاد الموجه، وعلى الرغم من اتفاقنا على بروز الوظيفة الاجتماعية للإلزام القانوني، إلا أنه نعتقد بأن هذا القيد هو من القيود المهمة التي يجب أن يمارسها المشرع، وذلك منعاً لحالات الاستغلال والغبن التي قد تترتب على بعض الأشخاص في حالة عدم وجود العقود الإلزامية. ومن ثم يترتب على هذا الإلزام القانوني بالتعاقد أن يكون الملزم بالبيع في حالة إيجاب جبري، فإذا امتنع عن إبرام العقد عّد التعبير الصادر ممن يريد الشراء قبولاً للإيجاب، وتكتفي المحكمة عندئذٍ بتقرير أن العقد قد انعقد[42]، فمصدر الرابطة العقدية هنا ليس الإرادة الفردية، بل القانون ذاته.
إن لفكرة الإلزام القانوني، تطبيقات تشريعية عديدة متناثرة في نصوص عدد من القوانين العراقية، ولكنها تجمعها فكرة واحدة، هي فكرة الإجبار  القانوني في تكوين العقد "حيث يتلاشى دور الإرادة إلى حد كبير في التنظيم العقدي وتحل محلها إرادة المشرع الذي يتولى فرض العقد على الطرفين والنص على قواعد ملزمة لهما، بحيث ليس بوسعهما مناقشة هذه القواعد والنصوص الآمرة بل يحتم عليهما الانصياع لأمر المشرع"[43].
ومن تطبيقات الإلزام القانوني ما ورد من صور للعقد الجبري في قانون إيجار العقار رقم (87) لسنة (1979م) المعدل[44]. وخاصة ما ورد في المادة الحادية عشر فقرة (2) التي نصت على أنه "إذا كان الإيجار من الباطن أو التنازل عنه قد تم قبل العمل بهذا القانون، سواء أكان بموافقة المالك التحريرية أو بدونها، حل المالك محل المستأجر الأصلي في العقد الذي أبرمه هذا مع المستأجر من الباطن أو المتنازل إليه".
ففي هذه الحالة لا توجد في الأصل علاقة مباشرة بين المالك والمستأجر من الباطن أو المتنازل له، بل أن وجود الأخير في المأجور، قد يكون دون رضا المؤجر، في الأحوال التي لا يستند فيها التأجير من الباطن أو التنازل عن الإيجار إلى أذن تحريري من المؤجر، ومع ذلك، وبالرغم من عدم مشروعية إشغال المستأجر من الباطن والمتنازل له عن الإيجار، نجد أن المشرع بهذا النص قد أضفى على هذا الأشغال صفة المشروعية، وأصبح المؤجر ملزماً بالدخول في علاقة عقدية مع المستأجر من الباطن أو المتنازل له، ومصدر هذه العلاقة كما هو واضح هو نص القانون.
كما أجاز المشرع في حالة البيوع الجبرية التي تجريها الدوائر المختصة للمالك أو الشريك، البقاء في العقار بصفة مستأجر، وبموجب ذلك يدخل مشتري العقار في علاقة تعاقدية جبرية، ويصبح مؤجراً، ولو دون إرادته، فقد نصت المادة الخامسة عشر من القانون المشار إليه سابقاً على أنه "لا يجبر المالك أو الشريك الذي يشغل العقار، إذا بيع قضاء أو بواسطة أي جهة مختصة أخرى على تخليته إذا رغب في الاستمرار على شغله بصفة مستأجر.
كما جاءت المادة السادسة عشر من القانون المشار إليه سالفاً، بصورة أو حالة أخرى للعقد الجبري والتي نصت على أنه " يجوز لمن نقل من العاملين في الدولة أو لدى الأشخاص المعنوية العامة أو نسب للعمل في مدينة أخرى أن يشغل المسكن الذي كان يشغله سلفه بشروط عقد الإيجار السابق نفسها، طبقاً لأحكام هذا القانون، على أن يتحمل الأجرة من تاريخ إخلاء المأجور فعلاً".
ففي هذه الصورة نجد أن إرادة المؤجر تصبح معدومة، فلا يستطيع أن يرفض قبول المستأجر الجديد. ويلزم بالبقاء في الرابطة العقدية السابقة، ولكن بعد أن تغير أحد أطراف هذه العلاقة وهو المستأجر.
كما جاء في مضمون المادة العشرون من القانون السالف الذكر، صورة أخرى للعقد الجبري، والتي نصت على ما يلي " يلزم مالك العقار المعد للإيجار لغرض السكنى بإخبار دائرة العقار بخلوه خلال مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ الخلو، ولا يجوز أن يبقى خالياً بدون عذر مشروع مدة تزيد على تسعين يوماً من تاريخ إكمال بنائه أو خلوه، وإذا امتنع مالكه عن إيجاره خلال المدة المذكورة، تتولى السلطة المالية إيجاره وفقاً لأحكام هذا القانون".
فمالك العقار المعد للسكنى مجبر أولاً على الدخول في علاقة تعاقدية خلال (90) يوماً، فإن امتنع فإن دائرة ضريبة العقار هي التي تقوم بتأجيره. وفي هذه الصورة يكون الإلزام القانوني بالتعاقد أكثر وضوحاً من الصور السابقة، ذلك أن المؤجر في هذه الحالة ليس هو المالك، بل السلطة المالية "ومع هذا فإن المالك يستفيد من حقوق العقد، كاستيفاء الأجرة، وطلب التخلية عند تحقق أحد الأسباب المنصوص عليها في القانون، وغير ذلك من الحقوق التي يضمنها له عقد الإيجار، كما أن له طلب فسخ العقد إن كانت الدائرة المختصة قد تعسفت في تأجيرها للعقار، كأن يكون ترك العقار خالياً لعذر مشروع"[45].
ويلاحظ على نص المادة (20) من قانون إيجار العقار رقم (87) لسنة (1979م) المعدل ما يلي:
1.    أن النص المذكور يسري على العقارات المعدة للسكن فقط، دون العقارات الأخرى كالفنادق مثلاً.
2.  أن النص المذكور لا يسري على دور السكن التي يحتجزها المالك لانتفاعه أو استعماله الشخصي، حتى ولو تركها لمدة تزيد على تسعين يوماً من تاريخ إكمال بنائه أو خلوه. فمثلاً يجوز للمالك أن يحتجز داراً للسكن في أحد المصايف أو لا يؤجرها للغير بحيث تبقى خالية طيلة أيام السنة ما عدا أيام التصييف التي يقضيها هناك. لذلك يجوز أن تبقى تلك الدار خالية وغير مؤجرة لمدة تزيد على تسعين يوماً.
3.  وكذلك لا يسري النص المذكور على الدور السكنية التي يبقيها المالك شاغرة دون تأجير، إذا كانت هناك أسباب قوية تستدعي إبقائها خالية، كأن يعقد ابن المالك الزواج ويحدد تاريخ الزفاف بعد أربعة أشهر أو أكثر، فيبقى المالك (الأب) تلك الدار خالية دون تأجير ليشغلها الابن عند تاريخ الزفاف.
ونتفق مع جانب من الفقه[46] فيما ذهبوا إليه، بأن المشرع عندما نص على تلك الأحكام المتضمنة إلزام المالكين بتأجير عقاراتهم المعدة للإيجار، وعدم جواز إبقائها لمدة تزيد على تسعين يوماً بدون عذر مشروع، قد استهدف عدة أهداف منها، توفير عقارات معدة للسكنى مساهمة في حل أزمة السكن، والقضاء على جشع المالك، الذي يريد تصيد المستأجر لكي يفرض عليه أجرة أعلى من الأجرة القانونية.
ومن التطبيقات الأخرى والتي توضح التقييدات أو القيود التي يفرضها المشرع على المتعاقدين أثناء إبرام العقد، والتي لا يكون فيها المتعاقد حراً في اختيار العاقد الأخر، بل أنه يُلزم بالتعاقد مع شخص أخر أو جهة معينة من السلطة العامة، هي حكم الشفعة، والتي تخص تملك الشفيع العقار بالشفعة، حيث يجبر مالك العقار المشفوع على إبرام عقد البيع مع الشفيع بقوة القانون. وهكذا يقوم مقام المتعاقد الذي اختاره المالك متعاقد أخر مفروض من السلطة العامة.
وفي العراق، نجد أن المشرع قد قرر في القانون المدني رقم (40) لسنة (1951م) حق الشفعة، حيث أجازت المادة (1129) للشريك في العقار الشائع وللخليط في حق ارتفاق للعقار المبيع وللجار الملاصق أن يتملكوا العقار المبيع ولو جبراً على المشتري بما قام عليه من الثمن والنفقات المعتادة.
غير أن المشرع العراقي عاد وضيق من نطاق حق الشفعة كما كان مقرراً في القانون المدني، وذلك بقرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) المرقم (211) الصادر بتاريخ (14/2/1978) الذي نص على أن "تلغى المادة 1129 من القانون المدني ويحل محلها ما يأتي (ينحصر حق الشفعة في الشريك بالعقار الشائع غير الزراعي المملوك ملكاً صرفاً)"[47].
ثم ضيق المشرع العراقي من نطاق حق الشفعة مرة ثانية، وذلك بقرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) المرقم (978) الصادر بتاريخ (24/7/1978م)[48] الذي قضى بإلغاء المادة الأولى من قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) آنف الذكر، وأحل محلها ما يأتي "أ- ينحصر حق الشفعة بالشريك في دار السكن الشائعة شرط أن لا يملك داراً للسكن على وجه الاستقلال.  ب- تعتبر الشقة السكنية بحكم دار السكن لأغراض هذا القرار"
واستناداً للنص المذكور، يلزم الشريك الذي باع حصته لأجنبي، على التعاقد مع شريكه إذا أبدى الأخير رغبته في شراء الحصة الشائعة. ولا عبرة بعقد البيع السابق الذي أبرمه البائع مع المشتري الأجنبي، ولا عبرة أيضاً بعدم رغبة البائع في التعامل مع شريكه الذي قد يكون في خلاف معه إلى بيع حصته إلى الأجنبي.
وفي بعض الأحيان يرى القضاء الفرنسي أن هناك التزاماً بالتعاقد على عاتق الفرد، إذا كانت السلع التي ينتجها أو يبيعها تعد من البضائع التي تعتبر من السلع الضرورية للفرد – كالخبز مثلاً – فقد صدر قرار عن محكمة النقض الفرنسية – الغرفة الجنائية – بصدد رفض خباز بيع منتجاته، وأعلنت المحكمة بأنه "ليس للخباز الذي يبيع مواد غذائية ضرورية التمسك بحرية التجارة، فهو على العكس من الباعة الآخرين الذين يستطيعون باسم حرية التجارة أو الصناعة أن يرفضوا بيع السلع التي يتاجرون بها، لا يستطيع أن يرفض التعاقد"[49].
كما قد يحصل إلزام قانوني بالتعاقد في القسمة، وهي تعيين الحصة الشائعة وإفرازها. والتي قد تكون برضاء المتقاسمين أو بحكم القضاء. فإذا كانت القسمة بحكم القضاء، فهنا سيتم اعتبار إفراز الحصص بحكم القانون، حتى وأن لم يكن أحد المتقاسمين أو جميعهم متراضين على ذلك.
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن قسمة القضاء في العقار يشترط فيها طلب بعض الشركاء القسمة، فلا تصح القسمة جبراً من الحاكم بدون طلب من أحد أصحاب الحصص، لأن قسمة القضاء حكم، والحكم محتاج إلى سيق الدعوى[50].
وأيضاً من تطبيقات الإلزام القانوني الأخرى هو البيع بناءاً على حجز الدائن، فقد نصت المواد (71-74) و (91-106) من قانون التنفيذ العراقي رقم (45) لسنة (1980م) على إجراءات بيع الأموال المنقولة وغير المنقولة، والتي تنتقل ملكية هذه الأموال إلى من ترسو عليه المزايدة العلنية بعد دفع الثمن. وبالنسبة للأموال غير المنقولة، على مديرية التنفيذ بعد الإحالة واستلام الثمن أن تطلب من دائرة التسجيل العقاري المختصة تسجيل العقار المباع باسم من أحيل عليه نهائياً (م.103 تنفيذ)، فالمدين المحجوز عليه يتمتع بصفة البائع لكونه يملك الأموال المحجوزة، كما أن البيع هو نقل جبري للملكية يحل فيه تدخل القضاء محل رضاء المدين[51].
كما وتوجد حالات يبدو فيها التعاقد بوجه غير مألوف، حيث تنعدم إرادة بعض المتعاقدين، كما هو الحال بالنسبة للشركات المساهمة، إذ يتعذر الحصول على توافق كل إرادات المساهمين، وهو ما يدعو إلى خضوع الأقلية لرأي الأغلبية، فتقرر الأغلبية ما تراه ضمن حدود القانون ونظام الشركة ما دامت الشركة قائمة[52].
ففي هذه الحالة قد تقرر الأغلبية الدخول في تعاقدات معينة تراها من مصلحة الشركة، ومن ثم فإن الأقلية سيعتبرون أطرافاً في عقد لم يكونوا راغبين فيه، فيتحقق الإلزام القانوني بحقهم ويجبرون على الوفاء بالتزاماتهم المتولدة في هذا العقد.
أما في ميدان قانون التجارة العراقي رقم (149) لسنة (1970م) الملغي، فقد أوجب التعاقد على بعض الأشخاص، وذلك في المادة (247) منه، حيث نصت على أنه "إذا كان الناقل محتكراً نوعاً من النقل أو استثمار خطوط معينة، التزم بقبول كل ما يقدم له من طلبات، إلا إذا كان الطلب مخالفاً للشروط المقررة للنقل، أو تعذر على الناقل تنفيذه لأسباب لا شأن له في إحداثها".
كما يتحقق الإلزام القانوني عند الاتفاق الجماعي المبرم بين جماعة الدائنين من جهة، والمدين المعسر من جهة أخرى، والذي يسمى (بالصلح الواقي من الإفلاس) ففي هذا الاتفاق يلتزم المدين بدفع جزء من الديون التي بذمته، وجدولة المبالغ الباقية، ليتسنى له دفعها في المستقبل، مقابل السماح له بالعودة إلى إدارة أمواله من جديد[53].
ويتم هذا الاتفاق، في الغالب على أثر اجتماع عام للدائنين يدعو له حاكم التفليسة، ويحضره أيضاً أمين التفليسة، والمدين المفلس.

وفي هذا الاجتماع يعرض على الدائنين مشروع للصلح، فإن تمت الموافقة عليه من أكثرية الدائنين بتصويت عام[54]، فإن الصلح يصبح نافذاً حتى بالنسبة للأقلية المعارضة[55].
وقد نصت المادة (681) من قانون التجارة العراقي الملغي، على أن الصلح لا يقع " إلا بموافقة أغلبية الدائنين الذين قبلت ديونهم. بشرط أن يكونوا حائزين لثلثي هذه الديون، ولا يحسب في هاتين الأغلبيتين الدائنون الذين لم يشتركوا في التصويت، كما لا تحسب ديونهم". ونصت المادة (689) على أنه "يسري الصلح في حق الدائنين الذين تتألف منهم جماعة الدائنين، ولو لم يشتركوا في إجراءاته أو لم يوافقوا عليه". كما نصت المادة (688) فقرة (4) على أنه "يصبح الصلح نافذاً بمجرد صدور قرار التصديق عليه" من حاكم التفليسة.
ومن التطبيقات الأخرى لحالات الإلزام التي تعتبر قيوداً موضوعية على إرادة المتعاقد، هي الحالات التي يعتبر فيها أن العقد منعقداً قانوناً على الرغم من غياب إرادة أحد المتعاقدين، ومن ثم فإن أساس هذا الانعقاد سيكون هو التعويض العيني.
ولأهمية هذا الموضوع، وللاختلافات الفقهية التي تنصب عليه، سنتناول عن طريق تقسيم حالات (التعويض العيني بإبرام العقد على الرغم من غياب إرادة أحد المتعاقدين) إلى قسمين. نوضح أولاً حالة الإيجاب القائم الملزم، ومن ثم نوضح ثانياً السكوت في معرض الحاجة بيان.
أولاً: الإيجاب القائم الملزم
إذا صدر الإيجاب باتاً وحدد الموجب مدة للطرف الأخر ليقبل في خلالها أو يرفض، فإنه يكون ملزماً بالبقاء على إيجابه حتى نهاية المدة التي حددها. فإذا عدل عن إيجابه ثم صدر القبول في خلال المدة المحددة. فلا عبرة بعدوله ويتم العقد، ويكون كل من المتعاقدين ملزماً بتنفيذ الالتزامات التي يولدها العقد على عاتقه، وأساس التزام الموجب بالبقاء على إيجابه هو الإرادة المنفردة بنص القانون، وفقاً للمادة (84) من القانون المدني العراقي.
وقد يثار السؤال الآتي: ما هو الحل إذا رجع الموجب عن إيجابه في فترة الإلزام وأصدر الموجه إليه الإيجاب قبوله خلال تلك الفترة. أيحق للقاضي – في حالة قيام نزاع – أن يعتبر  العقد قد تم أم أن للمسألة وجهاً أخر؟
ذهب البعض من الشراح[56] إلى أن للموجب الرجوع عن إيجابه في حالة تحديد مدة للقبول، إلا أن رجوعه سيعتبر خطأ يؤدي إلى سقوط الإيجاب، ومن ثم فلا يمكن بأي حال من الأحوال الحكم بقيام العقد على سبيل التعويض وإنما يقتصر التعويض في مثل هذه الحالة على التعويض بمقابل.
بينما يرى اتجاه أخر[57] أن رجوع الموجب عن الإيجاب الملزم يفسر، للقاضي حرية اختيار طريقة التعويض (عينياً أو نقدياً) تبعاً لأهمية الضرر، لذلك فإن القاضي لا يعد العقد قائماً إلا إذا كان الضرر مهماً ويكفي تبرير هذا الحكم.
بينما يذهب اتجاه ثالث[58] بحق إلى القول بأنه "يعد رجوع الموجب في الإيجاب القائم الملزم خطأ لكونه سابقاً لأوانه، وقد يكون خير تعويض عن الضرر الذي يصيب الموجب له، هو اعتبار العقد قائماً على سبيل التعويض العيني".
فالتعويض العيني أكثر مطابقة لروح القانون، وذلك لحماية الآخرين. إذ لا أثر للرجوع عن الإيجاب الملزم، ومن ثم فإنه يبقى صالحاً لنشوء الرابطة العقدية إن صادفه قبول موافق له[59].
ولهذا نؤكد بأن الحاجة الاجتماعية ملحة لإيجاد مناخ اقتصادي متوازن تسوده الثقة بالوضع الظاهر المستقر، فالشخص الموجه إليه إيجاب قائم ملزم يكون مطمئناً لهذا الإيجاب، ومن ثم سيكون اعتماده في تسيير أموره على هذا الأساس. فهنا تظهر ضرورة إتباع المشرع للإلزام القانوني بالتعاقد.
ثانياً: السكوت في معرض الحاجة بيان.
إذا سكت من وجه إليه الإيجاب، ولكن ظروف الحال كانت توجب عليه أن يفصح عن إرادته بالقبول أو الرفض، فالشارع يعد سكوته دليلاً على موافقته وقبوله. وقد عبر المشرع العراقي في القانون المدني عن ذلك بالمادة (81) والتي جاء فيها ".... ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان يعد قبولاً". وقد نص المشرع العراقي في الفقرة الثانية من المادة نفسها على حالات ثلاث، يعد السكوت فيها قبولاً، وهذه الحالات هي:
1.    إذا كان هناك تعامل سابق واتصل الإيجاب بهذا التعامل.
2.    إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه.
3.    إذا تسلم المشتري البضاعة التي اشتراها وسكت، فإن سكوته يعد قبولاً لما ورد في قائمة الثمن من شرط.
وليس فيما تقدم إلا أمثلة، لا على سبيل الحصر، فكل سكوت تلازمه ملابسات تدل على الرضا فهو سكوت ملابس، ويعد قبولاً[60].
وبهذا الصدد إذا كان الموجب لم يتلق رفضاً من الموجب له، بمعنى أن هذا الأخير ظل صامتاً. وقد قام الموجب استناداً إلى القاعدة المقررة في النص سالف الذكر بتصنيع البضاعة وإرسالها إلى الموجب له، ولكن الموجب يفاجأ برفض البضاعة، أي رفض العقد. فهنا يتضرر الموجب من فعل الموجب له هذا، وعندئذٍ كيف يعوض الموجب عن خسارة حالة وكسب فائت؟
إن خير تعويض في هذه الحالة، الحكم بإبرام العقد على أنه تعويض عيني يجبر الضرر الذي لحق بالموجب، استناداً إلى نص المادة (81) من القانون المدني العراقي.
أن الأصل في التعاقد أنه لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن إن صمت الموجب له استثناءاً يعد قبولاً بالإيجاب، فإن رفض هذا الإيجاب لا بد أن يكون باتخاذ وضع إيجابي،  وإلا فإنه يرتكب خطأ، ويكون التعويض لهذا الخطأ منسوباً إلى إرادة الموجب له. "ويعود السبب في ذلك إلى فكرة الالتزام القانوني للجواب"[61].
ولأجل إبرام العقد بهذا الصدد، فإننا نفترض وجود الإرادة بمعنى قبول الموجب له الضمني، كما أننا نهدف من ذلك إبطال (إحباط) حساب الموجب له الذي يريد أن يبقي الإيجاب قائماً ليعطي لنفسه القدرة على قبول العقد أو رفضه تبعاً لتقلبات الأسعار في السوق.
وبذلك يكون الالتزام القانوني للموجب له هو التزام الجواب (بمعنى التصريح برفض الإيجاب)، وليس التزام الموافقة (لأن الموافقة في هذه الحالة تصدر عن مجرد وضع سلبي يتخذه الموجب له، وذلك هو السكوت).
كما يلاحظ أن إتباع فكرة التعويض العيني بإبرام العقد في هذا الصدد، يوسع فكرة التعويض العيني. إذ تحتوي هذه الفكرة على معنى مزدوج (الأول) على أساس التزام حفظ الجهد الذي قام به الموجب، و (الثاني) جزاء لعدم تنفيذ الموجب له لالتزامه، إذ أن مجرد سكوته عن الإيجاب يعده متعاقداً، ويلتزم بتنفيذ العقد. إذ "أن انقضاء الميعاد المعقول أو المناسب هو الذي يحدد وقت تحقق السكوت النهائي الذي يعدل القبول ويكون له حكمه، وفي هذا الوقت يتم العقد"[62].
وبعد أن تناولنا فيما سبق التطبيقات التشريعية للإلزام القانوني، يثار هنا تساؤل حول الأثر الذي يتركه الإلزام القانوني على رضا، المتعاقد، فهل لا يزال الرضاء الصادر من المتعاقد في هذه الحالة كافياً لاعتبار التصرف عقداً؟ أم أننا أمام مجرد التزام قانوني مجرد عن وصف العقد؟
أثار هذا التساؤل جدلاً فقهياً شديداً، وانقسم فيه الفقه القانوني إلى عدة اتجاهات. حيث ذهب جانب من الفقه[63] إلى رفض الاعتراف بالصفة العقدية لهذه الأعمال، وبرروا ذلك على أساس "أن العنصر الإرادي مفقود، وهذا يعني أنه لا وجود للعقد. ولهذا فإن هذه الأعمال مجرد حالات قانونية تتخذ شكلاً عقدياً".
بينما ذهب جانب أخر من الفقه[64] بالقول، أن المتعاقد وإن كان مكرهاً على التعاقد، إلا أنه يبقى له قدر من الحرية يمكنه من رفض التعاقد وتحمل الجزاء الذي يفرضه القانون في هذه الحالة، وهذا يكفي قانوناً لاعتبار أن العقد قد تم برضاه إذا أقدم عليه.
وقد اتجه جانب أخر من الفقه[65] اتجاهاً خليطاً أو وسطاً بين الاتجاهين سالفي الذكر، حيث ذهبوا بالقول بأنه في العقود المفروضة لا نكون أمام تصرف قانوني إرادي، ولكن أمام عملية قانونية محققة بأثر القانون فقط، ولكن ما زال المبدأ أن الالتزامات التي تولدها هذه العملية بين الطرفين هي التزامات ناتجة عن عقد تم فيه التراضي بحرية، مع التحفظ بأن من لا ينفذ التزاماته القانونية بإبرام العقد يكون معرضاً لجزاءات إدارية أو جنائية مستقلة عن المسؤولية العقدية
وفي رأينا نتفق مع جانب أخر من الفقه[66] بأنه، لو نظرنا للأمر من منظار مبدأ سلطان الإرادة بصورة مجردة لأصبح من العسير جداً اعتبار التصرفات الصادرة من المتعاقد عقوداً رضائية على النحو المعروف، نظراً لانتفاء الرضاء. فالمتعاقد يعتبر مكرهاً على الإقدام بإبرام العقد.
أما إذا نظرنا إلى الأمر وفق التصورات الحديثة للعقد ووفق المفهوم المعاصر لمبدأ سلطان الإرادة، حيث أصبحت الإرادة مقيدة بحدود وقيود يفرضها المشرع مراعياً تحقيق العدل والمصلحة العامة، فعند ذاك يختلف الأمر.
ففي ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية ينبغي التخفيف من صرامة مبدأ سلطان الإرادة.
وأن القول بتدهور العقد (سقوط هيبة العقد) ينطوي على شيء من المبالغة ولا يتفق مع حقيقة الواقع، بل أن دائرة العقد، بدلاً من أن تضيق وتحد، قد اتسعت حتى أصبحنا من يوم لأخر نجد صوراً جديدة لعقود لم تكن معروفة قبل ذلك، "ففي حدود القيود الواردة على الحرية التعاقدية يمكن القول بأن النظرية التعاقدية قد تغيرت، ولكن القول بتدهور العقد شيء والقول بتقييد الحرية التعاقدية شيء أخر"[67].
وخلاصة لما سبق ذكره في هذا المبحث هو، وإن كان الأصل في تكوين أو إبرام العقد هو تراضي المتعاقدين، إلا أن مقتضيات الحاجة الاجتماعية في إعطاء المشرع الدور الكبير والبارز في الإشراف على نوعية التعاقد أمر مهم لا يمكن تجاهله. ومن ثم يكون المشرع هو صاحب اليد العليا في منع التعاقدات التي تتعارض مع النظام العام والآداب، ودوره في تقييد المتعاقدين في شروط العقد عند التعاقد وبما يتلائم مع الحاجة الاجتماعية، ودوره في إلزام المتعاقدين أو أحد أطراف العقد في الدخول بعملية تعاقدية تكون الغاية الرئيسة منها، هو تحقيق العدل والموازنة بين المصالح المختلفة للأفراد.


                                
المبحث الثالث

القيود المفروضة على الإرادة التعاقدية في تحديد مضمون العقد.

لم ينل أي مبدأ قانوني شهرة وشيوعاً أكثر مما ناله مبدأ (العقد شريعة المتعاقدين) فقد كانت له قدسية خاصة عند أنصار مبدأ سلطان الإرادة، ولا زال هذا المبدأ يحتل مكاناً مرموقاً في المؤلفات القانونية المدنية.
إلا أنه قد فقد هذا المبدأ بمفهومه التقليدي كثيراً من أهميته، وذلك بسبب تدخل المشرع في الكثير من المجالات في تحديد مضمون العقد، مراعاةً منه للتوازن الذي كثيراً ما تؤدي الظروف الاقتصادية إلى اختلاله، وبذلك نتفق مع جانب من الفقه[68] بأن "العقد شريعة المتعاقدين بشرط أن يكونا متكافئين متعادلين، أما إذا اختلفت قوة كل منهما في العقد، فمن الظلم القول بأنه شريعتهم".
وإزاء تحقيق الهدف المتوخى وهو العدل والتكافؤ بين المتعاقدين، أخذت النصوص الآمرة تحل مكان النصوص المفسرة والمكملة. حتى بدأ المشرع وكأنه يشترك مع الطرفين في تنظيم العقد بما يفرضه من التزامات على المتعاقدين.
ومع ذلك وحتى في الأحوال التي لا تكون الإرادة منشئة لكافة الآثار القانونية للعقد، فإن الحرية العقدية لا تختفي، لأنها ما زالت موجودة في اتجاه الإرادة إلى خلق حالة قانونية جديدة، وهي إبراز العقد إلى الوجود ومن ثم تدخل المشرع في تنظيم هذا العقد.
وتدخل المشرع قد يكون مباشراً، عندما يصدر نصوصاً آمرة يحتم على المتعاقدين مراعاتها. وقد يكون تدخله غير مباشر، عندما يخول المشرع القاضي صلاحية التدخل في العقد بالتعديل، أو بإلغاء بعض الشروط والالتزامات أو إعادة التوازن الاقتصادي بين المتعاقدين. لذلك سيقسم هذا المبحث إلى المطلبين الآتيين:
المطلب الأول: تدخل المشرع المباشر في تحديد مضمون العقد.
المطلب الثاني: تدخل المشرع غير المباشر في تحديد مضمون العقد.




المطلب الاول

تدخل المشرع المباشر في تحديد مضمون العقد

سنتناول في هذا المطلب، القيود التي يفرضها المشرع مباشرةً، أي بمعنى القيود التي يوردها المشرع بنص قانوني آمر ومن ثم يتوجب على المتعاقدين التقيد بها في تحديد مضمون العقد.
ونشير في هذا المجال بأن هذه التقييدات قد ترد إما على التنظيم الكامل من حيث المضمون للعقد برمته، أو قد ترد على جزئية من جزئياته كتحديد مدة العقد.
ففي (الحالة الأولى) يعد المتعاقد وكأنه مقيداً تقييداً كاملاً في تفاصيل العقد، ومثال ذلك تنظيم المشرع لعقد العمل بكامله، نتيجة لما كانت تعانيه الطبقة العاملة من ظلم اجتماعي واقتصادي. حيث أن معظم المسائل الجوهرية في عقد العمل هي محل تنظيم تشريعي[69]، كالأجور وساعات العمل وشروط السلامة والشروط الصحية والعطل والإجازات والضمان الاجتماعي، فأصبح عقد العمل مجرد إقرار للنصوص القانونية أو الاتفاقيات الجماعية[70] وحتى فسخ العقد أصبح محل تنظيم تشريعي.
ففي هذه الأحوال نجد أن التنظيم القانوني أخذ يضيق الخناق على حرية التعاقد، ولم يبق للفرد من حرية إلا في قدر ضيق ينحصر في قبول إبرام العقد أو الامتناع عن إبرامه[71].
أما في (الحالة الثانية) فسيقيد القانون كلا المتعاقدين أو أحدهما في جزئية معينة من جزئيات التعاقد. مثال ذلك، هو القيد الذي يرد على حرية المتعاقد في إنهاء عقده. فالعقد الذي انعقد بالتراضي يمكن كذلك أن ينتهي بالتراضي، على أنه ليس للمتعاقدين أن يحددا مدة تزيد عما يجيزه القانون، فإن فعلا، تعين إنقاص المدة إلى الحد الجائز[72].
وهذا ما يفهم من نص المادة (139) من القانون المدني العراقي التي جاء فيها بأنه "إذا كان العقد في شق منه باطل فهذا الشق وحده هو الذي يبطل. أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلاً"[73].
وقد جاءت المادة (724) من القانون المدني العراقي بتطبيق لهذه القاعدة إذ "ليس لمن لا يملك إلا حق الإدارة أن يعقد إجارة تزيد مدتها على ثلاث سنوات. فإذا عقدت الإجارة لمدة أطول من ذلك، أنقصت المدة إلى ثلاث سنوات. ما لم يوجد نص يقضي بغيره".
أما التطبيق الأخر للقاعدة التي أوردها المشرع العراقي في نص المادة (139) هو ما ورد في نص المادة (172) فقرة (1) من القانون المدني العراقي إذ "يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على سعر أخر للفوائد على أن لا يزيد هذا السعر على سبعة في المائة. فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا السعر وجب تخفيضها إلى سبعة في المائة، وتعين رد ما دفع زائداً على هذا المقدار".
أما التطبيق الأخر فهو إبطال شرط عدم المسؤولية في النقل البري[74].
ومن القيود الأخرى التي يفرضها المشرع مباشرةً على الإرادة التعاقدية، هو القيد الذي يحدد مقدار الأجرة في بعض العقود. وأن أبرز تدخل للمشرع العراقي في مجال تطويع العقد في ظل تقلبات الأسعار هو ما أصدره في ميدان إيجار العقار. فقد أصدر القانون المرقم (145) في (21/5/1991م) والذي يخص تطويع الالتزام بدفع أجرة العقار. ويتلخص حكم هذا القانون فيما يتعلق بالتطويع، أنه استلزم إعادة تقدير قيمة العقار كل (5) سنوات) ثم تحدد الأجرة حسب هذه القيمة بنسبة (5) بالمائة منها لإيجار البيوت و (7) بالمائة منها للشقق و (8) بالمائة منها للشؤون الأخرى.
ويلاحظ على هذا الحكم أنه يهمل بصورة مطلقة مبلغ الإيجار الذي يتفق عليه المتعاقدان، مع أنه يصلح لتحديد النسبة التي يطوع بموجبها بدلاً من النسبة الثابتة في هذا القانون[75].
كما أصدر المشرع في كثير من الدول، قوانين خاصة تعطي الحق للمستأجر بالبقاء في المأجور بعد انتهاء المدة المحددة لعقد الإيجار رغم إرادة المؤجر، ولم تجيز للأخير طلب التخلية إلا لأسباب محددة في القانون على سبيل الحصر، وهو ما يسمى بالامتداد القانوني لعقد الإيجار[76].
وهذا ما نص عليه قانون إيجار العقار المرقم (87) لسنة (1979م) المعدل في المادة الثالثة منه، التي قضت بأنه "1- يمتد عقد الإيجار بعد انتهاء مدته ما دام المستأجر شاغلاً للعقار، ومستمراً بدفع الأجرة طبقاً لأحكام القانون مع مراعاة أحكام الفقرة (14) من المادة السابعة عشر منه"[77].
ومع ذلك، وعلى الرغم من نص المشرع العراقي على الامتداد القانوني، فإنه قد أورد قيداً في ثنايا الفقرة (14) من المادة السابعة عشر، والتي عدلت بموجب القانون المرقم (56) لسنة (2000م)، ومن ثم أصبح نص المادة السابعة عشر مع فقرتها (14) على الشكل الآتي "لا يجوز للمؤجر أن يطلب تخلية العقار الخاضع لأحكام القانون إلا لأحد الأسباب الآتيـة ..... 14- إذا مضت على عقد الإيجار مدة (12) اثني عشر سنة".
فيلاحظ أن المشرع العراقي قد أورد مدة محددة للتمديد القانوني، إذ أنه لا يستمر إلى ما لا نهاية. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أن هنالك اتجاهاً نحو التخفيف من أثر الامتداد القانوني ليكون ضمن مدة محددة وليس مطلقاً[78].
فالامتداد القانوني للإيجار يجعل من المتعاقدان، بعد أن كانا في مركز اتفاقي، يصبحان في مركز قانوني، وذلك أن إرادة المشرع قد حلت محل إرادتهما، فقد لا يرغب المؤجر في الاستمرار بالعقد ولكنه في ظل الامتداد القانوني يصبح مجبراً ومكرهاً على ذلك[79]. فالمستأجر في هذه الحالة يستمد حقه لا من عقد الإيجار الذي انتهى بل من القانون، حيث ينشئ الأخير علاقة قانونية جديدة بين الطرفين، فمصدر هذه العلاقة هو القانون لا عقد الإيجار[80]. كما أن هذه العلاقة القانونية أو الامتداد القانوني سيسري بحق من يستحق الإقامة في المأجور بعد وفاة المستأجر وطبقاً للمدد التي حددها المشرع[81].
والواقع أن المشرع لا يلجأ إلى امتداد الإيجار بعد انتهاء مدته إلا عندما تكون هنالك أزمة مساكن بحيث يتعذر على المستأجر الذي يخرج من العين المؤجرة بعد انتهاء الإيجار أن يجد مسكناً مماثلاً بنفس الأجرة التي كان يدفعها.
وبديهي أن المؤجر ليست له بوجه عام مصلحة في إخراج المستأجر إلا أنه سيؤجر للغير بإيجار أعلى. ومعنى ذلك أن المتوقع هنا أن المستأجر الحالي سيضطر إلى استئجار مسكن أخر بأجر مرتفع، والمستأجر الجديد سيستأجر تلك العين بأجر مرتفع، والمؤجرون في كلا الحالين يستغلون قدرتهم الذاتية كملاك وفرض الإكراه الناشئ عن نقص العرض إلى زيادة القيمة الايجارية، وهي زيادة لا حق لهم فيها، لأن قيمة المسكن ومنفعته لم تتغير، وما كان في استطاعتهم زيادة الإيجار لولا ضعف المستأجرين إزاءهم، فلتفادي هذه النتيجة المتوقعة – وهي تقاضي المؤجرين أكثر من القيمة العادلة – يلجأ المشرع إلى الوسيلة الملائمة فيقضي بامتداد الإيجار رغم انتهاء مدته.
ويسند جانب من الفقه[82] هذا الحل إلى نظرية التعسف في استعمال الحق بمقولة أن المؤجر يعتبر متعسفاً في استعمال حقه في إنهاء عقد الإيجار لأنه استعمال يخالف الصالح العام. لذلك يمكن القول بأن الأخذ المطلق بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين في مجال عقد الإيجار يؤدي إلى عدم توازن كفة المتعاقدين في إدراج شروطهم في تحديد المدة، إذ سيكون المؤجر في موقف اقتصادي قوي يختلف عن المستأجر، ومن ثم يستطيع تحديد المدة كيفما يشاء. كما أن الأخذ المطلق بالامتداد القانوني في عقد الإيجار سيجعل العقد لا نهاية له ومن ثم سيكون المتضرر الوحيد من ذلك الامتداد هو المؤجر[83]، خاصة في العراق الذي شهد اختلالاً اقتصادياً كبيراً في الآونة الأخيرة، ومن ثم فإن التوازن الاقتصادي مطلوب هنا، فكان المشرع العراقي موفقاً في تحديد مدة الامتداد القانوني وجعلها لمدة (12) سنة بموجب القانون المرقم (56) لسنة 2000م.
وخلاصة لما سبق ذكره في هذا المطلب هو وإن كان للمتعاقدين الاتفاق على مضمون العقد وتحديد شروطه، إلا أن هذه الحرية قد تتقيد في توجيه الإرادات إلى تحقيق غاية اجتماعية نبيلة للمشرع، وهي تحقيق التوازن والعدل القانوني لكلا الطرفين. وإن كثرة تدخل المشرع بنصوص آمرة توضح لنا بأن الإرادة التعاقدية ليست مطلقة في فضاء شاسع بل مطلقة في فضاء القانون. وهو ما يؤكد لنا بوجوب القول بموضوعية الإرادة التعاقدية بدلاً من سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين.


















المطلب الثاني

تدخل المشرع غير المباشر في تحديد مضمون العقد

ويكون هذا التدخل عندما يخول المشرع القاضي صلاحية تعديل أو إلغاء بعض الشروط التعسفية أو إعادة التوازن الاقتصادي بين طرفي العقد[84].
فالقاضي يستطيع أن يغير ويحد من أثر الإرادة الفعلية للأفراد، فتارة نراه يوسع من مضمون العقد، ليضيف إليه التزاماً لم يفكر فيه الطرفان، وتارة ينتقص مما اتفق عليه العاقدان، هذه هي بصورة عامة الصورة التي انتهى إليها مبدأ سلطان الإرادة[85].
ومثالاً على الحالة الأولى (وهي التوسع في مضمون العقد) ما وصل إليه القضاء من مرحلة أكثر إيجابية، وذلك بفرضه على أحد المتعاقدين التزاماً بضمان سلامة المتعاقد الأخر، خصوصاً في عقد النقل، فأصبح الناقل ملزماً حتى دون اتفاق مسبق بضمان سلامة المسافر، وهذا يعني أن القضاء يضيف إلى العقد التزاماً لم يكن محل اتفاق المتعاقدين أو حتى لم يفكر به[86].
وقد اختلف الفقهاء في تعيين السند القانوني الذي يعتمده القضاء عند فرضه الالتزام بالسلامة على أحد أطراف العقد، فرأى جانب من الفقه[87] بأن هذا الالتزام مصدره الإرادة الضمنية المشتركة للمتعاقدين بينما ذهب جانب أخر من الفقه[88] بالقول أن في الرجوع وبشكل دائم إلى إرادة العاقدين سواء إرادة حقيقية أو محتملة، لتحديد مضمون العقد شيئاً من التحكم وهذا غير صحيح، وإنما الأقرب إلى الواقع، هو الاستناد في الاعتراف بالالتزام بالسلامة إلى نص المادة (150) فقرة (2) من القانون المدني العراقي – والتي تقابل نص المادة (148) فقرة (2) من القانون المدني المصري والمادة (1135) من القانون المدني الفرنسي، وهذا الاتجاه هو ما يمكن الاتفاق معه.
ففي المادة (150) فقرة (2) من القانون المدني العراقي متسع لاحتواء هذا الالتزام، فقد نصت المادة سالفة الذكر على ما يلي "ولا يقتصر العقد على إلزام المتعاقد بما ورد فيه، ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام". فمن السهل القول أن الالتزام بالسلامة هو من مستلزمات عقد النقل. وبمقتضى هذا النص يستطيع القاضي أن يضيف إلى مضمون العقد ما يقتضي العرف أو العدالة بإضافة إليه.
أما من الأمثلة على الحالة الثانية (وهي الانتقاص مما اتفق عليه العقدان) هو فيما يخص الشرط الجزائي. ففي بعض الأحيان يخضع المشرع بعض شروط العقد لرقابة القضاء خشية من تعسف المتعاقدين. فبالرغم من أن المشرع العراقي قد أجاز للمتعاقدين مثلاً الاتفاق على الشرط الجزائي (التعويض ألاتفاقي) في المادة (170) من القانون المدني العراقي، إلا أنه لم يترك ذلك لمحض إرادة المتعاقدين، بل ربط بين استحقاق التعويض ألاتفاقي ومقدار الضرر، فلا يكون التعويض ألاتفاقي مستحقاً إذا أثبت المدين أن الدائن لم يلحقه أي ضرر، ويجوز تخفيضه إذا أثبت المدين أن التقدير كان فادحاً،  أو أن الالتزام الأصلي قد نفذ في جزء منه[89].
كما تولى القضاء مهمة تقويم بعض السلبيات التي تنجم عن فقدان التوازن الاقتصادي بين طرفي العقد في عقود الإذعان، وانفراد أحد أطراف العقد في وضع صيغته وإملاء شروطه، وأعلن أنه ما دام صاحب الاحتكار، وهو الأقوى اقتصادياً قد وضع العقد بعد دراسة دقيقة لكافة بنوده وشروطه أخذاً بنظر الاعتبار كافة الظروف والملابسات، فليس له بعد ذلك التمسك بتفسير الشروط الغامضة لمصلحته.
ففي عقد الإذعان تنعدم إرادة المتعاقد في التفاوض بشأن العقد المراد إبرامه، ويقتصر مبدأ سلطان الإرادة على جانب واحد يتعلق بقبول التعاقد أو رفضه، حتى أن هناك شكاً في مدى توافر هذا الجانب أيضاً، إذ أن الاحتياج إلى السلعة أو الخدمة محل العقد يدفعه إلى قبول بنود العقد كما وضعها الشخص المحتكر دون مناقشة[90].
ولهذا اتجه القضاء إلى تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان لمصلحة الطرف المذعن. وقد حدد المشرع العراقي في المادة (167) فقرة(3) الطريق للقضاء لتفسير العبارات الغامضة عندما قرر بأنه "لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن، ولو كان دائناً"[91].
كما خول المشرع، القاضي صلاحية تعديل الشروط التعسفية التي تتضمنها عقود الإذعان، بل وحتى إعفاء الطرف المذعن منها. وهذا ما عبرت عنه المادة (167) فقرة (2) من القانون المدني العراقي التي نصت على أنه "إذا تم العقد بطريق الإذعان، وكان قد تضمن شروطاً تعسفية، جاز للمحكمة أن تعدل هذه الشروط أو تعفي الطرف المذعن منها، وذلك وفقاً لما تقضي به العدالة، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك".
بمعنى على القضاء أن يوازن ما بين مبدأ سلطان الإرادة وما بين أن تكون هذه الإرادة حرة وغير خاضعة لعوامل النفوذ الاقتصادي والاستغلال الأحادي من قبل أحد الأطراف. أي إجبار أطراف العقد على الالتزام بموضوعية الإرادة التعاقدية.
فموضوعية الإرادة التعاقدية لا يقتصر ضرورة وجودها في إبرام العقد فقط، بل تمتد إلى ما بعد الانعقاد وإلى انتهاء العقد. وهذا ما أكده القضاء، حيث جاء في حيثيات قرار إحدى الأحكام التي أصدرها القضاء البلجيكي "بأن كثرة الاتفاقات التي تحتوي على بنود موضوعة سلفاً من جانب أحد المتعاقدين دفعت بالقضاة، إلى البحث عن الوسائل التي بها يوفقون بين أوضاع المتعاقدين. ولم تقف محكمة النقض البلجيكية إطلاقاً أمام هذه الرغبة لدى القضاة بل طورتها في حدود اختصاصها. وهي اليوم الحارس اليقظ المراقب لمدى احترام القضاة لمبدأ سلطان الإرادة من ناحية، والقوة الملزمة للاتفاقات المبرمة بحرية بين الأفراد من ناحية أخرى، ورفضت من جانبها الأحكام التي أهملت احترام هذين المبدأين أم تلك التي شجعت عدم التعادل بين طرفي العقد"[92].
ومن التطبيقات الأخرى التي يتوضح فيها تدخل القاضي في تعديل أثار العقد، هي نظرية الظروف الطارئة، فقد كانت هذه النظرية خروجاً على مذهب الإرادة "واستثناءاً عن قاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، ومبدأ القوة الملزمة للعقد، لأن هذه النظرية تهدف إلى تعديل مضمون العقد على غير الإرادة المشتركة للمتعاقدين، برد الالتزام الذي جعله الحادث الطارئ مرهقاً إلى الحد المعقول"[93].
وقد رفض المشرع الفرنسي في قانون نابليون الاعتراف للقاضي بهذه الصلاحية نظراً لما كان يبديه من احترام كبير لمبدأ سلطان الإرادة، والذي يؤكد على وجوب تنفيذ العقد تنفيذاً دقيقاً، ولا عبرة بما يلحق المدين من خسارة تصيبه لا من خطئه، بل من تغيير الظروف، فهذه أمور تخصه وحده، ولا شأن للدائن بها، وعلى الرغم من ذلك، فإن القضاء الإداري الفرنسي متمثلاً في مجلس الدولة، على عكس القضاء المدني كان يأخذ مسألة تغيير الظروف بعين الاعتبار، ويندفع لتعديل العقد بما يتلائم والظروف الجديدة التي لم تكن متوقعة من المتعاقدين[94].
أما في العراق فقد خول المشرع العراقي، القاضي صلاحية تعديل العقد وفق ما تقتضيه العدالة في المادة (146) فقرة (2) من القانون المدني العراقي التي نصت على أنه "إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ التزام المتعاقدين، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين، بحيث يهدده بخسارة فادحة. جاز (للمحكمة) بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن تنقص الالتزام المرهق إلى الحد المعقول إن اقتضت العدالة ذلك. ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك".
بمعنى أن القاضي سيعمل على إعادة التوازن الاقتصادي في حالة اختلاله، وكل ذلك يصب في سبيل تحقيق العدالة القانونية وتحقيق التوازن بين الإطلاق لمبدأ سلطان الإرادة والعقد شريعة المتعاقدين وبين التوجه نحو التقييدات التي يفرضها المشرع بتدخله بصورة غير مباشرة للضرورات الاجتماعية. مما يدل على أن الإرادة التعاقدية لم تعد مطلقة، وإنما يجب القول بموضوعية الإرادة التعاقدية.


الخاتمة

إذا كانت حرية التعاقد هي على كل حال قوام العقود، وهي التي تقرر قواعد العقد وأصوله وأحكامه، إلا أن هنالك اعتبارات من شأنها أن تمس بهذه الحرية، وتجعل أحد العاقدين غير متمتع بها تمام التمتع.
فعلى الرغم من أن الإرادة قد لعبت دوراً بارزاً ولمدة طويلة في تكوين العقد وتحديد مضمونه، ولكن هذه الحرية في التعاقد قد تغيرت كثيراً بحيث أصبحت محددة ومقيدة بنصوص قانونية آمرة. وقد تم طرح الموضوع محل البحث بطريقة حاول الباحث أن تكون واضحة محاولاً التوصل إلى مجموعة من النتائج والتوصيات وكما يأتي :

1.  ضرورة التمييز ما بين سلطان الإرادة ومبدأ الرضائية. حيث سيعتبر المبدأ الأول هو الأساس أو القاعدة العامة في التعاقدات، أما المبدأ الثاني وهو مبدأ الرضائية وتحديد مدى كفاية الاتفاقات أو التوافق بين الإرادتين فسيعتبر الإطار القانوني المحدد لكيفية الكفاية انعقاد العقد.
2.  إن مسألة التدخل المتزايد للمشرع في تنظيم التعاقدات، ما هو إلا تمشياً مع نفس أساس الالتزام العقدي ومع الفكرة التعاقدية الصحيحة التي تقوم على أساس قيام العقد المتوازن بين المتعاقدين، بعيداً عن غبن أو استغلال أحد الأطراف للأخر. ولا يعني ذلك تدهور العقد واضمحلال أهميته، بل يعود السبب في ذلك إلى علاقة التدرج التي يجب أن تقوم بين قواعد النظام القانوني. فالتشريع باعتباره قانوناً موضوعياً يعلو العقد بحسبانه مصدراً للحقوق الشخصية، ولهذا فالعقد يتقيد بالتشريع الذي يتقدمه في سلم التدرج.
3.  يجب تقييد مبدأ سلطان الإرادة في إنشاء التصرفات القانونية بالقيود التي تتوازن فيها الإرادة مع العدالة والصالح العام. وهذا ما يقصد به بموضوعية الإرادة التعاقدية. لذلك قد تم تعريف ((موضوعية الإرادة التعاقدية)) بأنها (إمكانية الإرادة في الدخول أو عدم الدخول في العملية التعاقدية وفي تحديد مضمون العقد، وبالحدود التي يرسمها القانون، بالاستناد إلى مصلحة الجماعة والنظام العام والسياسة الاقتصادية العليا للدولة وباستخدام معيار العدالة).
4.  هنالك بعض العقود التي تبرم بناءاً على الإلزام القانوني، والتي يمكن تسميتها بـ((العقود الإلزامية)) والتي لا يلعب فيها الرضا دوراً كبيراً في مناقشة شروط العقد عند إبرام العقد، وإنما يطبق طرفي العقد نظاماً رسمياً مفروضاً عليهم بمقتضى القانون.
5.  أما فيما يخص الأثر الذي يتركه الإلزام القانوني (في العقود الإلزامية) على رضاء المتعاقد، وبالتحديد فيما يتعلق بمدى اعتبار التصرف القانوني عقداً فهنا نقول بأنه لو نظرنا للأمر من منظار مبدأ سلطان الإرادة بصورة مجردة لأصبح من العسير جداً اعتبار التصرفات الصادرة من المتعاقد عقوداً رضائية على النحو المعروف، نظراً لانتفاء الرضاء، فالمتعاقد قد يعتبر مكرهاً على الإقدام بإبرام العقد
أما إذا نظرنا إلى الأمر وفق التصورات الحديثة للعقد ووفق المفهوم المعاصر لمبدأ سلطان الإرادة، حيث أصبحت الإرادة مقيدة بحدود وقيود يفرضها المشرع مراعياً تحقيق العدل والمصلحة العامة. فعند ذاك يختلف الأمر. ففي ضوء التطورات الاقتصادية والاجتماعية ينبغي التخفيف من صرامة مبدأ سلطان الإرادة، ومن ثم يتوجب التسليم بوجود عقد، إذ أن العلاقة بين الأطراف تبقى محتفظة بطبيعتها التعاقدية. فالقول بتدهور العقد شيء والقول بتقييد الحرية التعاقدية شيء أخر.
6.  مع إقرارنا بأهمية مبدأ (العقد شريعة المتعاقدين) نستطيع القول بأن ازدياد تدخل المشرع المتزايد في تحديد مضمون العقد بعد بروز الحاجة الاجتماعية إلى ذلك التدخل في بعض العقود لإعادة التوازن الاقتصادي للمتعاقدين، ومن ثم تقييد كلا المتعاقدين بموضوعية الإرادة التعاقدية. أصبح من الضروري القول بأن "العقد شريعة المتعاقدين بشرط أن يكونا متكافئين متعادلين، أما إذا اختلفت قوة كل منهما في العقد، فمن الظلم القول بأنه شريعتهم".
7.  إن القيود التي تفرض على الإرادة التعاقدية في تحديد مضمون العقد، إما تفرض مباشرةً من قبل المشرع ويكون ذلك عندما يصدر نصوصاً آمرة يحتم على المتعاقدين مراعاتها (مثل تنظيم عقد العمل أو الامتداد القانوني لعقد الإيجار) وإما تفرض بصورة غير مباشرة، ويكون ذلك عندما يخول المشرع، القاضي صلاحية تعديل أو إلغاء بعض الشروط التعسفية أو إعادة التوازن الاقتصادي بين طرفي العقد (مثل الالتزام بضمان السلامة وعقود الإذعان)

8_ نقترح على المشرع العراقي جمع شتات التطبيقات المختلفة التي أوردها في متون مختلفة من القوانين، جمعها وتنظيمها في أحد أبواب متن القانون المدني، وتحت عنوان موضوعية الإرادة التعاقدية، وضمن التقسيمات التي وردت في البحث.
لتكون موضوعية الإرادة التعاقدية نظرية عامة لا تقل شأناً عن باقي النظريات الأخرى، فهي بهذا المفهوم لا تقل أهمية عن نظرية الحوادث الطارئة والتي تعتبر جزءاً منها.


قائمة المراجع

أولاً: الكتب القانونية.:

1.    د.أحمد حشمت أبو ستيت، مصادر الالتزام، دار الفكر العربي، مصر، 1963م.
2.    د.حسن على الذنون، النظرية العامة للالتزامات، ج1، مصادر الالتزام، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1976م.
3.    د.حلمي بهجت بدوي، أصول الالتزامات، الكتاب الأول في نظرية العقد، مطبعة نوري، القاهرة، 1943م.
4.    د.رمضان محمد أبو السعود، مبادئ الالتزام في القانون المصري واللبناني، الدار الجامعية، القاهرة، 1984م.
5.    د.شفيق شحاتة، النظرية العامة للالتزامات، ج1، طرفا الالتزام، مصر، بدون سنة طبع.
6.    د.شمس الدين الوكيل، دروس في الالتزامات، منشأة المعارف، الإسكندرية، بدون سنة طبع.
7.  د.عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1952م.
8.    د.عماد الدين الشر بيني، الشخص القانوني (علاقته – حقوقه – التزاماته)، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1973م.
9.    د.منذر الفضل، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني، ج1، مصادر الالتزام، ط1، 1991م.
10.                       محمد أبو زهرة، الملكية ونظرية العقد، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون سنة طبع.
11.                       د.عبد المنعم فرج الصدة، محاضرات في القانون المدني (نظريو العقد في قوانين البلاد العربية)، ج1، التراضي، القاهرة، 1958م.
12.                       د.عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام، ج1، مصادر الالتزام، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1953م
13.                       د.همام محمد محمود / د.محمد حسين منصور، مبادئ القانون، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1986م.
14.                       د.عبد الرحمن عياد، أساس الالتزام العقدي، المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1972م.
15.                       د.محمد لبيب شنب، دروس في نظرية الالتزام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976م.
16.                       د.محمد وحيد الدين سوار، الاتجاهات العامة في القانون المدني، المكتبة القانونية، عمان، 2001م.
17.                       د.فتحي عبد الرحيم عبد الله، العناصر المكونة للعقد كمصدر للالتزام، القاهرة، 1979م.
18.                       د.محمد سعيد ألمحاسني، موجز في القانون المدني، ج1، مطبعة بابيل، 1937م.
19.                       د.عبد السلام ذهني بك، الالتزامات، النظرية العامة، مكتبة كلية التجارة، القاهرة، بدون سنة طبع.
20.                       د.محمد صالح، أصول التعهدات، ط4، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1933م.
21.                       د.عبد المجيد الحكيم، الموجز في شرح القانون المدني، ط2، مصادر الالتزام، بغداد، 1963م.
22.        مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني المصري، مطبعة دار الكتاب العربي، ج2، مصر، بدون سنة طبع.
23.                       د.محمد كامل مرسي، الالتزامات، ج1، مطبعة العالمية، القاهرة، 1954م.
24. د.مصطفى مجدي هرجة، إيجار الأماكن المفروشة والمنشآت الطبية ومكاتب المحامين وانتهاء عقود الإيجار لغير المصريين، ط1، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1984م.


ثانياً: البحوث القانونية:.

25.        .سهام عبد الرزاق مجلي ألسعيدي، دور الإرادة في تحول العقد، بحث منشور في مجلة دراسات قانونية، العدد الثاني، السنة الثالثة، بين الحكمة، بغداد، 2001م.
26.        د.عصمت عبد المجيد بكر، فكرة الإلزام القانوني بالتعاقد وتطبيقها في القانون العراقي، بحث منشور في مجلة القانون المقارن، العدد الثالث عشر، السنة التاسعة، بغداد، 1981م.
27.        د.محمد عبد الظاهر حسين، الجوانب القانونية للمرحلة السابقة على التعاقد، بحث منشور في مجلة الحقوق، العدد الثاني، السنة الثانية والعشرون، الكويت، 1998م.
28.        د.صبري حمد خاطر، تطويع العقد في ظل تقلبات الأسعار، بحث منشور في مجلة جامعة النهرين، المجلد (3،2)، تشرين الثاني، 1998م.
29.        محمد صديق محمد عبد الله / خليل إبراهيم محمد، أثر وفاة المستأجر في عقد الإيجار، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق، المجلد 8، العدد، 28، السنة 11، دار ابن الأثير للطباعة والنشر، الموصل، 2006.


ثالثاً: الرسائل والاطاريح الجامعية:

30.        عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، العقد في ظل النظام الاشتراكي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد، 1981م.
31.        حسين عبد الله عبد الرضا ألكلابي، النظام العام العقدي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق – جامعة النهرين، 2002م.
32.        سليمان براك دايح ألجميلي، المفاوضات العقدية، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق – جامعة النهرين، 1998م.
33.        محمد صديق محمد عبد الله، مجلس العقد، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون – جامعة الموصل، 2005م.
34.                       نصير صبار لفتة، التعويض العيني، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق – جامعة النهرين، 2001م.
35.        الأستاذ الدكتور عباس زبون العبودي، التعاقد عن طريق وسائل الاتصال الفوري، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون – جامعة بغداد، 1994م.


رابعاً: القوانين:

36.                       القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951م المعدل.
37.                       قانون إيجار العقار العراقي رقم (87) لسنة 1979م المعدل.
38.                       قانون التنفيذ العراقي رقم (45) لسنة 1980م.
39.                       قانون التجارة العراقي رقم (149) لسنة 1970م الملغي.
40.                       قانون تأمين السكن للمواطن العراقي رقم (125) لسنة 1963م.
41.                       القانون العراقي رقم (56) لسنة 2000م المعدل لقانون إيجار العقار.
42.                       القانون المدني المصري رقم (131) لسنة 1948م المعدل.
43.                       القانون المدني الأردني رقم (43) لسنة 1976م المعدل.
44.                       القانون الفرنسي لسنة 1804م طبعة 2003م.



خامسا: المصادر الأجنبية:

45.                       ششر / فيفوت / فيرمستون، أحكام العقد في القانون الإنجليزي، ط9، دار الجيل، بيروت، 1976م.
46.   Aubert, notions et roles de, offer et de, acceptation dans la formation du contuact, Paris, 1970


[1] – د.عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1952م، ص141 – د.عماد الدين الشر بيني، الشخص القانوني (علاقته – حقوقه – التزاماته)، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1973م، ص222.
[2] د.رمضان محمد أبو السعود، مبادئ الالتزام في القانون المصري واللبناني، الدار الجامعية، 1984م، ص25.
[3] القاضي حلمي بهجت بدوي، أصول الالتزامات، الكتاب الأول، في نظرية العقد، مطبعة نوري، القاهرة، 1943م، ص66.
[4] للاطلاع على التطورات التاريخية لمبدأ سلطان الإرادة. ينظر – د.عبد الرزاق السنهوري، الوسيط، المصدر السابق، ص142-149.
[5] د.منذر الفضل، النظرية العامة للالتزامات في القانون المدني، ج1، مصادر الالتزام، ط1، 1991م، ص40 – د.سهام عبد الرزاق مجلي ألسعيدي، دور الإرادة في تحول العقد، بحث منشور في مجلة دراسات قانونية، العدد الثاني، السنة الثالثة، بيت الحكمة، بغداد، 2001م، ص87 – د.أحمد حشمت أبو ستيت، مصادر الالتزام، دار الفكر العربي، القاهرة، 1963م، ص41 – محمد أبو زهرة، الملكية ونظرية العقد، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون سنة طبع، ص221-222.
[6] د.عبد المنعم فرج الصدة، محاضرات في القانون المدني (نظرية العقد في قوانين البلاد العربي)، ج1، التراضي، القاهرة، 1958م، ص9 – د.عماد الدين الشر بيني، الشخص القانوني، المصدر السابق، ص221-222.
[7] القاضي حلمي بهجت بدوي، المصدر السابق، ص61.
[8] كما في العقود الشكلية والعقود العينية.
[9] القاضي حلمي بهجت بدوي، المصدر السابق، ص65.
[10] المصدر نفسه، ص65.
[11] د.عبد المنعم فرج الصدة، المصدر السابق، ص15.
[12] أما الحالات الأخرى التي ستعتبر قيوداً على المتعاقدين سواء في أثناء إبرام العقد أو التي ستؤثر وتحدد من مضمون العقد، فستوضح لنا في ثنايا البحث.
[13] ونشير في هذا المجال إلى عدم توسعنا في تناول العقود الشكلية والعينية، وذلك لأن هذه العقود قد سبق تناولها من قبل العديد من الفقهاء والشرح بحيث أصبحت من الأمور المستقر عليها.
ينظر – د.حسن علي الذنون، النظرية العامة للالتزامات، ج1، مصادر الالتزام، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1976م، ص36.
[14] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، العقد في ظل النظام الاشتراكي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون والسياسة في جامعة بغداد، 1981م، ص61.
[15] سافاتيه، التطورات الاقتصادية والاجتماعية للقانون المدني، ف37
نقلاً عن: د.عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام، ج1، مصادر الالتزام، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1953م، ص18.
[16] "القرار رقم 42/ت.ب/1978 الصادر من محكمة استئناف نينوى/التمييزية بتاريخ 25/11/1978م".
[17] "يقوم هذا المذهب على أساس أن الإرادة هي وحدها التي تنشئ العقد".
ينظر – د.منذر الفضل، المصدر السابق، ص40.
[18] د.رمضان محمد أبو السعود، المصدر السابق، ص26.
[19] د.سهام عبد الرزاق مجلي ألسعيدي، المصدر السابق، ص87.
[20] المصدر نفسه، ص88.
[21] "تتمثل فكرة أنصار المذهب الاجتماعي من الإرادة في إنكار دورها المهم الذي غالا فيه أنصار المذهب الفردي، فهم يعتقدون أن للإرادة دور متواضع في إنشاء التصرفات القانونية، وأن الإرادة ليست هي المصدر الوحيد للالتزام لوجود موانع متعددة، كما أن الإرادة ليست إلا وسيلة لتحقيق غاية تخضع لقيود ترتبط بمصلحة المجتمع".
د.منذر الفضل، المصدر السابق، ص42.
وبنفس المعنى ينظر – د.أحمد حشمت أبو ستيت، المصدر السابق، ص44-45.
[22] د.همام محمد محمود ؛ د.محمد حسين منصور، مبادئ القانون، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1986م، ص231.
[23] د.رمضان محمد أبو السعود، المصدر السابق، ص27.
[24] د.عبد الرحمن عياد، أساس الالتزام العقدي، المكتب المصري الحديث للطباعة والنشر، الإسكندرية، 1972م، ص364.
[25] ششر / فيغو / فيرم ستون، أحكام العقد في القانون الانجليزي، ط9، دار الجيل، بيروت، 1976م، ص75.
[26] د.أحمد حشمت أبو ستيت، المصدر السابق، ص47.
[27]  Zaksas, les Transformation due contact et leur loi, theses, Toulouse, 1934, P.81.
نقلاً عن: حسين عبد الله عبد الرضا ألكلابي، النظام العام العقدي، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الحقوق – جامعة النهرين، 2002م، ص49
[28] د.عبد الحي حجازي، المصدر السابق، ص14.
[29] د.عبد الرحمن عياد، المصدر السابق، ص359.
[30] د.عصمت عبد المجيد بكر، فكرة الالتزام القانوني بالتعاقد وتطبيقها في القانون العراقي، بحث منشور في مجلة القانون المقارن، العدد الثالث عشر، السنة التاسعة، بغداد، 1981م، ص3186.
[31] حسين عبد الله عبد الرضا ألكلابي، النظام العام العقدي، المصدر السابق، ص49-50.
[32] Ghestin, P.114.
نقلاً عن: حسين عبد الله عبد الرضا ألكلابي، المصدر السابق، ص48
[33] د.شفيق شحاتة، النظرية العامة للالتزامات، ج1، طرفا الالتزام، مصر، بدون سنة طبع، ص127.
[34] د.عبد المنعم فرج الصدة، المصدر السابق، ص15.
[35] وقد نص المشرعان المصري والفرنسي على نفس الحكم.
ينظر – نص المادة (135) من القانون المدني المصري والمادة (1133) من القانون المدني الفرنسي.
[36] شمس الدين الوكيل، دروس في الالتزامات، منشأة المعارف، الإسكندرية، يدون سنة طبع، ص32.
[37] د.محمد لبيب شنب، دروس في نظرية الالتزام، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976م، ص31.
[38] د.محمد وحيد الدين سوار، الاتجاهات العامة في القانون المدني، المكتبة القانونية، عمان، 2001م، ص16.
[39] شمس الدين الوكيل، المصدر السابق، ص33.
[40] د.فتحي عبد الرحيم عبد الله، العناصر المكونة للعقد كمصدر للالتزام، القاهرة، 1979م، ص61.
[41] د.عبد الحي حجازي، المصدر السابق، ص20.
[42] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص54.
[43] د.عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص177.
[44] نشر هذا القانون في الوقائع العراقية، العدد (2719) في 30/6/1979م.
[45] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص293.
[46] د.عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص183.
[47] المادة الأولى من قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) المرقم (211) الصادر بتاريخ (14/2/1978م) والمنشور في الوقائع العراقية عدد (2639) في (20/2/1978م).
[48] قرار مجلس قيادة الثورة (المنحل) المرقم (978) الصادر بتاريخ (2472/1978م) والمنشور في الوقائع العراقية عدد (2667) في (7/8/1978م).
[49] Crime. 12 Mai. 1854. D.1854. 1. 208
نقلاً عن: عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص60.
[50] محمد سعيد ألمحاسني، موجز في القانون المدني، ج1، مطبعة بابيل، 1937م، ص130.
[51] د.عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص172.
[52] د.عبد السلام ذهني بك، الالتزامات، النظرية العامة، مكتبة كلية التجارة، القاهرة، بدون سنة طبع، ص86.
[53] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص120.
[54] حيث يكفي أن يقبل الصلح نصف عدد الدائنين زائداً واحد، بشرط أن يكونوا حائزين لثلاثة أرباع الديون لكي تصادق المحكمة على هذا العقد.
ينظر – د.محمد صالح، أصول التعهدات، ط4، مطبعة الاعتماد، القاهرة، 1933م، ص208.
[55] وبنفس مضمون ذلك نصت المادة (72) من القانون الفرنسي الصادر في (13/7/1967م).
ينظر – الفريد ريج، الاتفاقيات الجماعية، ف17 – لوي بوابيه، العقود والاتفاقيات، ف75.
نقلاً عن: عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص120.
[56] سليمان براك دايح ألجميلي، المفاوضات العقدية، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية النهرين للحقوق، 1998م، ص26
[57] Aubert, Notions et roles de, offer et de, acceptation dans la formation du contract, Paris, 1970, P.215.
[58] ينظر – الأستاذ الدكتور عباس زبون العبودي، التعاقد عن طريق وسائل الاتصال الفوري، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون، جامع بغداد، 1994م، ص96. – د.عبد المجيد الحكيم، الموجز في شرح القانون المدني، ط2، ج1، مصادر الالتزام، بغداد، 1963م، ص67. – د.عبد المنعم فرج الصدة، المصدر السابق، ص85.
[59] محمد صديق محمد عبد الله، مجلس العقد، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية القانون جامعة الموصل، 2005م، ص97.
[60] د.عبد الرزاق أحمد السنهوري، المصدر السابق، ص224.
[61] Essai sur le role du silence createur d'obligations, theses Dijon, 1972, P.90.
نقلاً عن: نصير صبار لفتة، التعويض العيني، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الحقوق جامعة النهرين ، 2001م، ص192.
[62] مجموعة الأعمال التحضيرية (القانون المدني المصري)، مطابع دار الكتاب العربي، ج2، مصر، بدون سنة طبع، ص57-58.
[63] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص50.
[64] في مقالة منشورة في المجلة الفصلية المدنية الفرنسية عام 1944.
نقلاً عن: د.عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص176.
[65] د.فتحي عبد الرحيم عبد الله، المصدر السابق، ص65.
[66] د.عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص176-177.
[67] د.عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص176-177.
[68] د.محمد عبد الظاهر حسين، الجوانب القانونية لمرحلة السابقة، على التعاقد، بحث منشور في مجلة الحقوق، العدد الثاني، السنة الثانية والعشرون، الكويت، 1998م، ص727.
[69] كمثال على التقييدات القانونية الواردة على عقد العمل ما ورد في نص المادة (806) فقرة (2) من القانون المدني الأردني، إذ جاء فيها "ولا يجوز أن تتجاوز مدة عقد العمل خمس سنوات، فإذا عقدت لمدة أطول ردت إلى خمس".
[70] د.فتحي عبد الرحيم، المصدر السابق، ص60.
[71] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص67.
[72] د.محمد وحيد الدين سوار، الاتجاهات العامة، المصدر السابق، ص18.
[73] وذات المضمون أورده المشرع الأردني في نص المادة (169) من القانون المدني الأردني التي جاء فيها "إذا كان العقد في شق منه باطلاً، بطل العقد كله، إلا إذا كانت حصة كل متعاقد معينة، فإنه يبطل في الشق الباطل، ويبقى العقد صحيحاً في الباقي"
[74] د.فتحي عبد الرحيم، المصدر السابق، ص60.
[75] إلا أن مما تجدر الإشارة إليه، أن هذا القانون لم يطبق لحد الآن، إذ أرجأ تطبيقه إلى أجل غير مسمى بالقرار رقم (174) في (27/6/1992م).
نقلاً عن: د.صبري حمد خاطر، تطويع العقد في ظل تقلبات الأسعار، بحث منشور في مجلة جامعة النهرين، المجلد (3،2)، تشرين الثاني، 1998م، ص88.
[76] يقصد بالامتداد القانوني للإيجار:هو سريان عقد الإيجار الأصلي الذي انتهت مدته بشروطه نفسها لمدة أخرى، ومن ثم لا نكون بصدد إيجار جديد يلزم لانعقاده مثلاً توافر الأهلية عند إبرامه، بل يظل العقد السابق سارياً ولو فقد أحد المتعاقدين أهليته عند امتداد الإيجار.
ينظر – د.مصطفى مجدي هرجة، إيجار الأماكن المفروشة والمنشآت الطبية ومكاتب المحامين وانتهاء عقود الإيجار لغير المصريين في ضوء الفقه والقضاء، الطبعة الأولى، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1984م، ص82.
[77] عدلت هذه المادة بموجب القانون المرقم (56) لسنة (2000م) المعدل لقانون إيجار العقار. وقد صدر هذا القانون بموجب القرار المرقم (165) في (7/رجب/1421هـ) الموافق (4/10/2000م). فقد أضاف المشرع فقرة ثانية إلى المادة الثالثة والتي تقضي بما يأتي "تستثنى من حكم الفقرة (1) من هذه المادة العقارات المعدة للسكنى المبنية حديثاً أو اكتمل بناؤها في (1/1/1998م) أو بعده وتكون مدة نفاذ عقد الإيجار فيها وفق اتفاق الطرفين".
[78] محمد صديق محمد عبد الله / خليل إبراهيم محمد، أثر وفاة المستأجر في عقد الإيجار، بحث منشور في مجلة الرافدين للحقوق، المجلد 8، العدد، 28، السنة 11، دار ابن الأثير للطباعة والنشر، الموصل، 2006، ص124.
[79] د.عصمت عبد المجيد بكر، المصدر السابق، ص174
[80] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص95.
[81] محمد صديق محمد عبد الله / خليل إبراهيم محمد، أثر وفاة المستأجر في عقد الإيجار، المصدر السابق، ص123-124.
[82] د.عبد الرحمن عياد، المصدر السابق، ص360.
[83] محمد صديق محمد عبد الله / خليل إبراهيم محمد، أثر وفاة المستأجر في عقد الإيجار، المصدر السابق، ص186.
[84] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص71.
[85] د.عبد المجيد الحكيم، الموجز في شرح القانون المدني، المصدر السابق، ص36.
[86] د.أحمد حشمت أبو ستيت، المصدر السابق، ص48.
[87] د.محمود جمال الدين زكي، مشكلات المسؤولية المدنية، ج1، القاهرة، 1978م، ف44.
نقلاً عن: عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص76.
[88] عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص76.
[89] ينظر – نص المادة (170) فقرة (2) من القانون المدني العراقي.
ويراجع قرار الهيئة العامة لمحكمة تمييز العراق، رقم (161) – هيئة عامة أولى – بتاريخ 22/11/1974، النشرة القضائية، العدد الرابع، السنة الخامسة، ص38.
[90] د.محمد عبد الظاهر، المصدر السابق، ص751.
[91] وذات الحكم قرره المشرع المصري في المادة (151) من القانون المدني المصري.
[92] Cass – Belg – 19-9-1983 Pas 1984,1,55, Cass – 17-5-1990, Rec – cr – jur – belge, 1990, P.595.
نقلاً عن:  د.محمد عبد الظاهر، المصدر السابق، ص752-753.
[93] د.عبد الرحمن عياد، أساس الالتزام العقدي، المصدر السابق، ص366.
[94] مازو، دروس في القانون المدني، ف (125).
نقلاً عن: عبد الرحمن عبد الرزاق داؤود الطحان، المصدر السابق، ص74.